للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونَقَل عن أصْحَاب هَذا القَوْل أنَّ "الاقْتِراع فِيها بالأقْلام إنّما كَان بَعْد ذَلك بِمُدَّة طَوِيلَة؛ لِشِدَّة أصَابَتْهم، ضَعُفَ زَكَرِيّا عَنْ حَمْل مُؤنَتِها، فَتَدَافَعُوا حَمْل مُؤْنَتِها، لا رَغْبَة مِنهم، ولا تَنافُسًا عَليها وعَلى احْتِمَال مُؤْنَتِها" (١).

ورَجَّح القَوْل الأوَّل بِقَوله: غير أنَّ القَوْل مُتَظَاهِر مِنْ أهْل التَّأْوِيل بالقَول الأوَّل، أنَّ اسْتِهَام القَوْم فِيها كَان قَبْل كَفَالَة زَكَرِيّا إيّاها، وأنَّ زَكَرِيا إنّما كَفَلَها بإخْرَاج سَهْمه منها فالِجًا عَلى سِهَام خُصُومه فِيها (٢).

وذَكَر ابنُ جَرير في الْمَوْضِعِ الثَّاني عَنْ قَتَادة أنَّ بَني إسرائيل تَشَاحُّوا (٣) عَلى مَريم، فاقْتَرَعُوا فِيها بِسِهَامِهِم أيّهم يَكْفُلها، فَقَرَعَهم زَكَرِيّا فَكَفَلها (٤).

وذَكَر السمرقندي سَبَب ذَلك التَّشَاحّ في حِين كَان زَكَرِيّا أحَقّ بِكَفَالَتِها؛ لأنَّ خَالَتَها عِنْده؛ فقال: إنَّ حَنّة لَفُّتْها في خِرَق ثم وَضَعَتْها في بَيْت الْمَقْدِس عِند الْمِحْرَاب، واجْتَمَعَتِ القُرَّاء - أي الزُّهَّاد - فَقَال زَكَرِيَّا: أنَا أحَقّ بِهَا لأنَّ خَالَتَها عِنْدي، فَقَال القُرَّاء: إنَّ هَذِه مُحَرَّرَة، فلو تُرِكَتْ لِخَالَتِها لَكَانَت أمّها أحَقّ بِها، ولَكِن نَتَسَاهَم (٥).

أما السمعاني فَقد ذَكَر سَبَبْ اخْتِصَاص زَكَرِيّا بِكَفَالَة مَرْيم، فَقَال: ومِن الأسْبَاب التي خُصّ بِهَا زَكَرِيّا بِكَفَالَة مَرْيم أنَّ خَالَتَها كَانت تحته، وهي أخْت حَنَّة امْرأة عِمران (٦).


(١) المرجع السابق (٥/ ٣٥٢) ثم روى قصة طويلة في ذلك؛ رواها عن ابن إسحاق (٥/ ٣٥٨)، وفيها أن زكريا ضعُف عن حملها، فاقترعوا، وكفلها نجار يُقال له: جريج. وهذا من أخبار بني إسرائيل التي تُخالف النصوص فإن النص صريح في أن الله كفلها زكريا، وضمن رزقها، وفي الآية ثلاثٌ على نسق، وهي قوله تعالى: (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا).
(٢) المرجع السابق (٥/ ٣٥٣).
(٣) في مختار الصحاح (ص ١٣٩): تشاحّ الرجلان على الأمْر: لا يُريدان أن يفوتهما.
(٤) انظر: جامع البيان، مرجع سابق (٥/ ٤٠٤).
(٥) بحر العلوم، مرجع سابق (١/ ٢٣٤).
(٦) تفسير القرآن، مرجع سابق (١/ ٣١٣).

<<  <   >  >>