للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مِنْ امْرَأته، وهَكذا قال ابن إسحاق، والذي عليه النَّاس أنَّ زَكَرِيّا إنّما كَفَل بالاسْتِهَام لِتَشَاحّهم حِينَئذٍ فِيمن يَكْفُل الْمُحَرَّر (١).

وقال في قَوله تعالى: (وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ): وجُمْهُور العُلَمَاء عَلى أنه اسْتِهام لأخْذِها والْمُنَافَسَة فِيها.

وقال ابن إسحاق: إنّما كَان اسْتِهَامهم حِين نَالَتْهم الْمَجَاعَة دَفْعًا مِنها (٢) لِتَحَمّل مَؤونَتِها. و (يَخْتَصِمُونَ) مَعْنَاه: يَتَرَاجَعُون القَوْل الْجَهِير في أمْرِها.

وفي هَذه الآيَة اسْتِعْمَال القُرْعَة، والقُرْعَة سُنّة (٣).

وذَكَر الرَّازِي في الآيَة مَسَائل، مِنْها:

الْمُرَاد بالأقْلام، وأنّها التي كَانُوا يَكْتُبُون بِها التَّوْرَاة، وعَزَا هَذا القَوْل إلى الأكْثَرِين.

وبَيَّن أنَّ "ظَاهِر الآيَة يَدُلّ على أنّهم كَانُوا يُلْقُون أقْلامَهم في شَيء عَلى وَجْه يَظْهَر بِه امْتِيَاز بَعْضِهم عن البَعْض في اسْتِحْقَاق ذَلك الْمَطْلُوب، وإنّمَا (٤) ليس فِيه دَلالة عَلى كَيفِيَّة ذَلك الإلْقَاء، إلَّا أنّه رُوي في الْخَبَر أنّهم كَانُوا يُلْقُونَها في الْمَاء".

وذَكَر الرَّازي سَبَب الاخْتِصَام، فَقَال: اخْتَلَفُوا في السَّبَب الذي لأجْلِه رَغِبُوا في كَفَالَتِها حَتى أدَّتْهُم تِلك الرَّغْبَة إلى الْمُنَازَعَة.

فقال بعضهم: إنَّ عِمران أبَاها كَان رَئيسًا لَهم ومُقَدَّما عَليهم، فلأجْل حَقِّ أبِيها رَغِبُوا في كَفَالَتِها.

وقال بَعْضُهم: إنَّ أمَّها حَرَّرَتْها لِعِبَادَة الله تَعالى ولِخِدْمَة بَيْت الله تَعالى، ولأجْل ذَلك حَرصُوا على التَّكَفُّل بِها.


(١) المحرر الوجيز، مرجع سابق (١/ ٤٢٦).
(٢) لعلها: دَفْعًا لَها.
(٣) المرجع السابق (١/ ٤٣٥).
(٤) هكذا في المطبوع ويَظهر أنّ في العِبَارة زِيادَة [إنما].

<<  <   >  >>