للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهو يُصَلِّي لِغَير قِبْلَتِنا؟ وكان النَّجَاشِي مَلِك الْحَبَشَة - واسْمُه أصْحَمَة (١) - يُصَلِّي إلى بَيْت الْمَقْدِس حَتى مَات. وقد صُرِفَتِ القِبْلَة إلى الكَعْبَة، فَنَزَلَتْ الآيَة.

القَول الرابع: قال ابن زيد: كَانت اليَهُود قَدْ اسْتَحْسَنَتْ صَلاة النبي صلى الله عليه وسلم إلى بَيْت الْمَقْدِس، وقَالُوا: مَا اهْتَدَى إلَّا بِنَا، فَلَمَّا حُوِّل إلى الكَعْبَة قَالَتْ اليَهُود: مَا وَلَّاهُم عن قِبْلَتِهم التي كَانُوا عَليها؟ فَنَزَلَتْ: (وِلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ). فَوَجْهُ النَّظْم على هَذا القَوْل: أنَّ اليَهُود لَمَّا أنْكَرُوا أمْرَ القِبْلَة بَيَّن الله تعالى أنَّ له يَتَعَبّد عِبَادَه بِمَا شَاء، فإن شَاء أمَرَهم بالتَّوَجُّه إلى بَيْتِ الْمَقْدِس، وإن شَاء أمَرَهم بالتَّوَجُّه إلى الكَعْبَة فَعَل، لا حُجَّة عَليه، ولا يُسْأل عَمَّا يَفْعَل وهُم يُسألون.

القَول الْخَامِس: أنَّ الآيَة مَنْسُوخَة بِقَولِه: (وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) [البقرة: ١٤٤] ذَكَرَه ابن عباس. فَكَأنه كَن يَجُوز في الابْتِدَاء أن يُصَلِّي الْمَرْء كَيف شَاء ثم نُسِخَ ذلك.

وقال قتادة: النَّاسِخ قَوله تعالى: (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) [البقرة: ١٤٩] أي: تلقاءه؛ حَكاه أبو عيسى الترمذي.

وقَوْل سَادِس: رُوي عن مجاهد والضحاك أنها مُحْكَمَة. الْمَعْنَى: أيْنَمَا كُنْتُم مِنْ شَرْق وغَرْب فَثَمّ وَجْه الله الذي أَمَرَنا بِاسْتِقْبَالِه، وهو الكَعْبَة (٢).

وعن مجاهد أيضًا وابن جبير: لَمَّا نَزَلَتْ: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) [غافر: ٦٠] قَالُوا: إلى أيْن؟ فَنَزَلَتْ: (فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ).

وعن ابن عمر والنخعي: أيْنَمَا تُوَلُّوا في أسْفَارِكم ومُنْصَرَفَاتِكم فَثَمّ وَجْه الله.


(١) انظر: مَشَارِق الأنوار، القاضي عياض (١/ ٦٣).
(٢) سيأتي في مبحث: "أثر عقيدة القرطبي في توهم التعارض" مزيد بيان لما يتعلق بصفة الوجه لله تعالى.

<<  <   >  >>