للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويُمْكِن حَمْل الآيَة (فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ) على حَال الاضْطِرَار، وقَد اسْتَدَلّ بِها سعيد بن جُبير لَمَّا أمَرَ الْحَجَّاج بِقَتْلِه إلى قِبلَة النَّصَارَى! فَقال سَعيد: (فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ) (١).

وقد نَصّ الفُقَهَاء على ذلك.

قال الْحَسَن: في الرَّجُل يُقَال له: اسْجُد لِصَنَم وإلَّا قَتَلْنَاك. قال: إنْ كَان الصَّنَم مُقَابِل القِبْلَة فلْيَسْجُد ويَجْعَل نِيَّتَه لله، فإن كان إلى غَير القِبْلَة فَلا، وإن قَتَلُوه.

قال ابن حبيب: وهَذا قَوْلٌ حَسَن (٢).

وتَعَقَّبَه ابن عطية بِقَوله: وما يَمْنَعُه أن يَجْعَل نِيّتَه لله وإن كَان لِغَير قِبْلَة؟ وفي كِتَاب الله: (فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ) (٣).

وقال ابن حَزم: ومَن أُكْرِه على سُجُود لِصَنَم أوْ لِصَلِيب فلْيَسْجُد لله تعالى مُبَادرًا إلى ذلك، ولا يُبَالِي في أيّ جِهَة كَان ذَلك الصَّنَم والصَّلِيب. قال الله تعالى: (فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ) (٤).

فَمَنْ اضْطُرّ إلى الصَّلاة إلى غَيْر القِبْلَة، كالأسِير يُمنَع مِنْ اسْتِقْبَال القِبْلَة، والْمُصَافّ للعَدُو، والْمُسَافِر في الطَّائرَة إذا لم يَسْتَطِع التَّوجُّه إلى القِبْلَة، ونَحْوهم؛ ففي الآية رُخْصَة لهم بالصَّلاة على أيّ حَال، وإلى أي وِجْهَة.

وإذا حُمِلَتِ الآية على حَال الاضْطِرَار فلا يَحْتَاج الْجَمْع إلى تَخْصِيص ولا إلى نَسْخ، وفي الآيَة ثَلاثة أقْوَال أنّها مُحْكَمَة.


(١) روى القصة: ابن سعد في الطبقات الكبرى (٦/ ٢٦٤ وما بعدها)، وأبو نُعيم في الحلية (٤/ ٢٩٠ وما بعدها)، والمزي في تهذيب الكمال (١٠/ ٣٦٨ وما بعدها) وأوردها: ابن الجوزي في صفة الصفوة (٣/ ٧٩ وما بعدها)، والذهبي في سِيَر أعلام النبلاء (٤/ ٣٢٧ وما بعدها).
(٢) نَقَلَه ابن عطية في المحرر الوجيز (١/ ٤٢٠) وعنه ابن رجب في جامع العلوم والحكم (٢/ ٣٧٢).
(٣) المحرر الوجيز، مرجع سابق (١/ ٤٢٠).
(٤) الْمُحَلّى، مرجع سابق (٨/ ٣٣٥).

<<  <   >  >>