للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التَّوبَة، فَرَجَع وتَاب وبَلَغ ذلك إلى أصْحَابه الذين بِمَكَّة، فَقَالُوا: إن محمدًا تَتَرَبَّص به رَيب الْمَنُون، فَقَالُوا: نُقِيم بِمَكَّة على الكُفْر مَتى بَدَا لَنَا الرَّجْعَة رَجَعْنَا، فَيَنْزِل فِينا مَا نَزَل في الحارث، فَيَقْبَل تَوْبَتَنا، فأنْزَل الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا) يَعْنِي: ثَبَتُوا على كُفْرِهم بِقَولِهم: نُقِيم بِمَكَّة مَا بَدَا لَنَا. (لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ) مَا أقَامُوا على الكُفْر.

ونَقَل عن الزجاج قَوله: كَانُوا كُلّما نَزَلَتْ آيَة كَفَرُوا بِها، فَكان ذَلك زِيَادَة كُفْرِهم.

وقَوله: (لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ) أي: تَوبَتُهم الأُولى، وحَبِطَ أجْر عَمَلِهم.

ويُقَال: (لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ) مَعْنَاه: أنَّهُم لَم يَتُوبُوا، كَمَا قَال: (وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ) [البقرة: ٤٨] أي: لا يَشْفَع لَها أحَد (١).

ويَرى السمعاني أنَّ آيَة "آل عمران" في قَوْمٍ بِخُصُوصِهم، حَيْث قَال: هَذا في قَوم كَانُوا مع الحارث بن أوس وارْتَدّوا، فَلَما رَجَعَ هو إلى الإسْلام أمْسَكُوا عن الإسْلام أولئك القَوْم، وقَالوا: نَتَرَبّص الدَّهْر بمحمد، فإن سَاعَده الزَّمَان ونَفَذ أمْرُه نَرْجِع إلى دِينِه، فَنَزَلَتْ الآيَة.

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ) أي: ارْتَدُّوا عن الإسْلام بَعْد إيمانِهم (ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا) بِقَوْلِهم: إنا نَتَرَبّص بِمُحَمّد رَيب الْمَنُون (لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ). قال أبو العالية: لأنّهم لَم يَكُونُوا مُحَقِّقِين للتَّوْبَة، بل كَانُوا مُتَرَبِّصِين (وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ).

وقِيل: أرَاد به الذين كَفَرُوا بَعد إيمانِهم بِعِيسَى ازْدَادُوا كُفْرًا بمحمد (لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ) عند النَّاس (٢).


(١) بحر العلوم، مرجع سابق (١/ ٢٥٤) باختصار.
(٢) تفسير القرآن، مرجع سابق (١/ ٣٣٩).

<<  <   >  >>