للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٣ - أنه تعالى لَمّا قَدَّم ذِكْر مَنْ كَفَر بعد الإيمان، وبَيَّن أنه أهْل اللعَنَة إلَّا أن يَتُوب؛ ذَكَرَ في هذه الآية أنه لو كَفَر مَرّة أُخْرى بَعد تِلك التَّوبَة فإنَّ التَّوْبَة الأُولى تَصِير غَير مَقْبُولَة، وتَصِير كَأنّها لَم تَكُنْ.

قال: وهَذا الوجْه ألْيق بالآيَة مِنْ سَائر الوُجُوه، لأنَّ التَّقْدِير: إلَّا الذين تَابُوا وأصْلَحُوا فإنَّ الله غَفُور رَحِيم، فإن كَانُوا كَذلك ثم ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَل تَوْبَتُهم.

٤ - كِنَاية عن الْمَوْت على الكُفْر؛ لأنَّ الذي لا تُقْبَل تَوبَته مِنْ الكُفَّار هو الذي يَمُوت على الكُفْر، وهو قول الزمخشري.

٥ - لَعَلَّ الْمُرَاد مَا إذا تَابُوا عَنْ تِلك الزِّيَادة فَقَط، فإنَّ التَّوْبَة عَنْ تِلك الزِّيَادَة لا تَصِير مَقْبُولَة مَا لَم تَحْصُل التَّوْبة عن الأصْل.

ثم قال الرازي: جُمْلَة هَذه الْجَوَابَات إنّما تَتَمَشّى على مَا إذا حَمَلْنا قَولَه: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا) على الْمَعْهُود السَّابِق لا على الاسْتِغْرَاق، وإلَّا فَكَم مِنْ مُرْتَدّ تَاب عَنْ ارْتِداده تَوْبَة صَحِيحَة مَقْرُونَة بِالإخْلاص في زَمَان التَّكْلِيف.

فأمَّا الْجَوَاب الذي حَكَيْنَاه عن القفّال والقَاضي (١) فهو جَوَاب مُطَّرِد، سَوَاء حَمَلَنا اللفْظ عَلى الْمَعْهُود السَّابِق، أوْ عَلى الاسْتِغْرَاق (٢).

وذَكَر ابن جُزيّ الأقوال في سَبَب نُزُول الآيَة، وذَكَر مَا قِيل في مَعنَى قَوله تَعالى: (ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا)، فَقَال:

١ - قِيل: هُمْ اليَهُود، كَفَرُوا بِعِيسَى بَعد إيمانِهم بِمُوسَى، ثم ازْدَادُوا كُفْرًا بِكُفْرِهم بمحمد صلى الله عليه وسلم.

٢ - وقيل: كَفَرُوا بمحمد صلى الله عليه وسلم بَعْد أن كَانُوا مُؤمِنين قَبْل مَبْعَثِه، ثم ازْدَادُوا كُفْرًا بِعَدَاوَتِهم لَه وطَعْنِهم عَليه.


(١) وهو القول الثالث.
(٢) التفسير الكبير، مرجع سابق (١/ ١١٤، ١١٥) باختصار وتصرّف.

<<  <   >  >>