للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا) ظاهر هذا إيناس السَّامِعين مِنْ عِزَّته، وتَعْرِيفهم أنَّ ما وَجَب له مِنْ ذلك لا مَطْمَع فيه لِغَيره، فتَكُون الألف واللام للعَهد عند العالِمِين به سبحانه وبما وَجَب له مِنْ ذلك، وهو الْمَفْهُوم مِنْ قَوله الْحَقّ في سورة يونس: (وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ) ويُحْتَمَل أن يُريد سبحانه أن يُنَبّه ذَوي الأقْدَار والْهِمَم مَنْ أين تُنَال العِزَّة، ومِن أين تُسْتَحَقّ، فتكون الألف واللام للاسْتغراق، وهو الْمَفْهُوم من آيات هذه السورة، فَمَنْ طَلَب العِزَّة مِنْ الله وصَدَقَه في طَلَبها بافْتِقَار وذُلّ وسُكُون وخُضُوع وَجَدَها عِنْده - إن شاء الله - غير مَمْنُوعَة ولا مَحْجُوبَة عنه. قال صلى الله عليه وسلم: مَنْ تَواضع لله رَفَعه الله (١).

ومَن طَلبها مِنْ غَيره وَكَلَه إلى مَنْ طَلَبها عِنده. وقد ذَكَرَ قَومًا طَلَبُوا العِزَّة عند مَنْ سِواه، فقال: (الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا) [النساء: ١٣٩]، فأنبأك صَرِيحا لا إشْكَال فيه أنَّ العِزَّة له يُعِزّ بِها مَنْ يَشاء، ويُذِلّ مَنْ يَشاء.

وقال صلى الله عليه وسلم مُفَسِّرًا لِقَوله: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا): مَنْ أرَاد عِزّ الدَّارَين فَلْيُطِع العَزيز (٢). وهذا معنى قول الزجاج.


(١) رواه بهذا اللفظ: البيهقي في شُعب الإيمان (ح ٨١٤٠) من حديث عمر رضي الله عنه.
قال المنذري في الترغيب والترهيب (٣/ ٣٥١): رواه أحمد والبزار، ورواتهما محتج بهم في الصحيح.
وقال الهيثمي في المجمع (٨/ ٨٢): رواه أحمد والبزار والطبراني في لأوسط … ورجال أحمد والبزار رِجال الصحيح، وفي إسناد الطبراني سعيد بن سلام العطار، وهو كذاب.
ورواه الطبراني في الأوسط (ح ٤٨٩٤) من حديث عائشة رضي الله عنها. وقال عنه الهيثمي في المجمع (١٠/ ٣٢٥): رواه الطبراني في الأوسط، وفيه نعيم بن مورع العنبري، وقد وثّقه ابن حبان، وضعّفه غير واحد وبقية رجاله ثقات. ورواه ابن الجوزي في الموضوعات (٣/ ١٩)، وأعله بنعيم.
ورواه مسلم (ح ٢٥٨٨) من حديث أبي هريرة مرفوعًا بلفظ: "ما تواضع أحدٌ لله إلا رفعه الله".
(٢) رواه ابن الجوزي في الموضوعات (١/ ١١٩) وأعله بداود بن عفان. وأعله به كل من:
السيوطي في "اللآلئ المصنوعة" (١/ ٢٧)، وابن عراق الكناني في "تنزيه الشريعة" (١/ ١٣٨)، والشوكاني في "الفوائد المجموعة" (ص ٤٤٤)، وأورده ابن حجر في "لسان الميزان" (٤/ ٨٣) في ترجمة سعيد بن هبيرة المروزي.

<<  <   >  >>