للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقَال في آيَة "النحل": قَوله تعالى: (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا) أي: الإغْوَاء والكُفْر، أي: لَيْس لك قُدْرَة على أنْ تَحْمِلَهم على ذَنْب لا يُغْفَر، قاله سُفيان.

وقال مجاهد: لا حُجَّة لَه عَلى مَا يَدْعُوهم إلَيه مِنْ الْمَعَاصِي. وقِيل: إنه لَيس لَه عَليهم سُلْطَان بِحَال؛ لأنَّ الله تَعالى صَرَف سُلْطَانه عليهم حين قال عَدُو الله إبْليس لَعَنَه الله: (وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٣٩) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) [الحجر: ٣٩، ٤٠]، قَال الله تَعالى: (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ) [الحجر: ٤٢]. قلتُ: قَدْ بَيَّنَّا أنَّ هَذا عَامّ يَدْخُلُه التَّخْصِيص، وقد أغْوَى آدَم وحَوَّاء عليهما السلام بِسُلْطَانِه، وقَد شَوّش على الفُضَلاء أوْقَاتَهم بِقَوله: مَنْ خَلَقَ رَبك؟ حسبما تقدم في آخر الأعراف بيانه (١).

ثم بَيَّن القُرطبي مَعْنَى قَوله تَعالى: (إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ) أي: يُطِيعُونه، يُقَال: تَوَلَّيته، أي: أطَعْته، وتَوَلَّيت عنه، أي: أعْرَضْت عنه. (وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ) أي: بِالله. وقِيل: يُرْجَع بِه إلى الشَّيْطان. والْمَعْنَى: والذين هُمْ مِنْ أجْلِه مُشْرِكُون. يُقَال: كَفَرْت بِهذه الكَلِمة، أي: مِنْ أجْلِها، وصَار فُلان بِك عَالِمًا، أي: مِنْ أجْلك، أي: والذي تَوَلَّى الشَّيْطَان مُشْرِكُون بِالله (٢).

وبيّن في تَفْسِير قَوله تَعالى: (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [الأعراف: ٢٠٠] بيَان الوَسْوَسَة، ومَا شَكَاه الصَّحَابة رضي الله عنهم مِنْها، وأنَّ الْخَوَاطِر التي لَيْسَتْ بِمُسْتَقِرَّة ولا اجْتَلَبَتْها الشُّبْهَة أنّها تُدْفَع بالإعْرَاض عَنها، وعلى مِثْلِها يُطْلَق اسْم الوَسْوَسَة. وأوْضَح أنَّ "النَّغْز والنَّزْغ والْهَمْز والوَسْوَسَة سَوَاء" (٣).


(١) ستأتي الإشارة إليه إن شاء الله.
(٢) الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق (١٠/ ١٥٦، ١٥٧) باختصار.
(٣) انظر: المرجع السابق (٧/ ٣٠٥، ٣٠٦).

<<  <   >  >>