للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقَوله: (وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ) قَال بعضهم: بِرَبِّ العَالَمِين مُشْرِكُون. وقال ثعلب: والذين هُمْ بِه مُشْرِكُون، أي: لأجْلِه مُشْرِكُون، أي لأجْلِ إبْلِيس، وهَذا مَعْنى صَحِيح لأنَّ مَنْ يُشْرِك بإبْلِيس يَكُون مُؤمِنًا بِالله، فَالْمَعْنَى هَذا (١).

وأشَار في آيَة "الْحِجْر" إلى مَا سَبَق ذِكْرَه، فَقَال: قَوله تَعالى: (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ) هَذا تَحْقِيق لِقَولِه تَعَالى فِيمَا سَبَق: (إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) [الحجر: ٤٠] (٢).

وفي تَفْسِير آيَة "الإسراء" أوْرَد سُؤالًا قَال فِيه:

فإن قِيل: كَيف عَرَف إبْلِيس أنَّ أكْثَر ذُرِّيَّة آدَم يَتَّبِعُونَه؟

قُلْنَا: الْجَوَاب مِنْ وَجْهَين:

أنه لَمَّا رَأى انْقِيَاد آدَم لِوَسْوَسَتِه طَمِع في ذُرِّيَّتِه.

والثَّاني: أنه رَأى ذَلك في اللوح مَكْتُوبًا، وعَرَف كَما عَرَف الْمَلائكَة حِين قَالُوا (أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء) [البقرة: ٣٠] (٣).

وبَيَّن هَذا في تَفْسِير آيَة "سبأ" بِقَولِه: وفِي التَّفْسِير أنَّ إبْلِيس قَال: لَقَدْ أخْرَجْتُ آدَم مِنْ الْجَنَّة مَع كَثْرة عِلْمِه، وأغْوَيْتُه، فأنا عَلى ذُرِّيَّتِه أقْدَر.

وقَال في آيَة "الإسراء": وقَد قِيل: إنَّ مَعْنَاه: (لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ) في أنْ تَحْمِلَهم على ذَنْب لا أقْبَلُ تَوْبَتهم منه (٤).

ونَقَل في آيَة "سبأ" قَول الْحَسَن البَصْري: والله إنه لَم يَسُلّ عليهم سِيفًا، ولا ضَرَبَهم بِسَوط، وإنّما وَعَدَهم ومَنَّاهُم؛ فاغْتَرُّوا.


(١) تفسير القرآن، مرجع سابق (٣/ ٢٠١) باختصار.
(٢) المرجع السابق (٣/ ١٤٠).
(٣) المرجع السابق (٣/ ٢٥٧، ٢٥٨).
(٤) المرجع السابق (٣/ ٢٦٠).

<<  <   >  >>