وأمَّا مَسْألَة الرُّسُل الذِي هو قَصَص وخَبَر، فإنَّ الأُمَم الْمُشْرِكَة لَمَّا سُئلَتْ في القِيَامَة قِيل لَها:(أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ)[الزمر: ٧١] أنْكَر ذلك كَثير مِنهم وقَالُوا: مَا جَاءنا مِنْ بَشِير ولا نَذِير. فَقِيل للرُّسُل: هل بَلّغْتُم مَا أُرْسِلْتم بِه؟ أوْ قِيل لَهم: ألَم تُبَلِّغُوا إلى هَؤلاء مَا أرْسِلْتُم بِه؟ فَمَسْألَة الله للرُّسُل على وَجْه الاسْتِشْهَاد لَهم على مَنْ أُرْسِلُوا إليه مِنْ الأُمَم، وللمُرْسَل إلَيهم على وَجْه التَّقْرِير والتَّوْبِيخ، وكُلّ ذلك بمَعْنَى القَصَص والْخَبَر.
فأما الذي هو عن الله مَنْفِي مِنْ مَسْألَتِه خَلْقِه، فَالْمَسْألَة التي هي مَسْألة اسْتِرْشَاد واسْتِثْبَات فِيمَالا يَعْلَمه السَّائل عنها ويَعْلَمه الْمَسْئول، لِيَعْلَم السَّائل عِلْم ذَلك مِنْ قِبَلِه، فَذلك غَير جَائز أن يُوصَف الله به؛ لأنَّه العَالِم بِالأشْيَاء قَبْل كَوْنِها، وفي حَال كَوْنِها، وبَعْد كَوْنِها، وهي الْمَسْألَة التي نَفَاها جَلَّ ثَنَاؤه عَنْ نَفْسِه بِقَولِه:(فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ)، وبِقَولِه:(وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) يَعْنِي: لا يَسْأل عن ذَلك أحَدًا مِنْهم عِلْمَ مُسْتَثْبِت، لِيَعْلَم عِلْم ذلك مِنْ قِبَل سَأل مِنه؛ لأنَّه العَالِم بِذَلك كُلّه، وبِكُلّ شَيء غَيره" (١).
ويَرى ابن جرير أنَّ آيَة "الحجر" خَاصَّة بِالسُّؤَال عن التَّوحِيد، فَيَقُول: يَقُول تَعالى ذِكْرُه لِنَبِيِّه محمد صلى الله عليه وسلم: فَوَرَبِّك يَا محمد لَنَسْألَنّ هَؤلاء - الذِين جَعَلُوا القُرْآن في الدُّنيا عِضِين - في الآخِرَة عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُون في الدُّنيا فِيمَا أمَرْنَاهُم بِه،
(١) جامع البيان، مرجع سابق (١٠/ ٦٥، ٦٦) باختصار وتصرّف.