للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ) بَيَّن أنهم مُتَحَكِّمُون ولا دَلِيل لهم على أنَّ الله أمَرَهم بِمَا ادَّعَوا. وقد مَضَى ذَمّ التَّقْلِيد، وذَمّ كَثِير مِنْ جَهَالاتِهم، وهَذا مِنها (١).

بَيْنَمَا قَال في آيَة "الإسراء": قَوله تَعالى: (أمَرْنَا) قَرأ أبو عثمان النَّهْدِي وأبو رجاء وأبو العالية والربيع ومجاهد والحسن: (أمَّرْنا) بالتَّشْدِيد، وهي قِرَاءة عَلي رضي الله عنه. أي: سَلَّطْنَا شِرَارَها فَعَصَوا فِيها، فإذا فَعَلُوا ذلك أهْلَكْنَاهم، وقال أبو عثمان النهدي: أمَّرْنا - بِتَشْدِيد الميم - جَعَلْناهم أُمَراء مُسَلَّطِين (٢).

وتَأمَّر عَليهم: تَسَلَّط عَليهم.

وقرأ الحسن أيضًا وقتادة وأبو حيوة بالشامي ويعقوب (٣) وخارجة عن نافع وحماد بن سلمة عن ابن كثير وعلي وابن عباس - باختلاف عنهما - (آمَرنا) بالمد والتخفيف، أي: أكْثَرنا جَبَابِرَتها وأُمَرَاءها، قاله الكسائي. وقال أبو عبيدة: آمَرْته بِالْمَدّ وأمَرْته لُغَتَان بِمَعْنَى: كَثَّرته.

وفي الصحاح: وقال أبو الحسن: أَمِر مَالُه - بالكَسْر -، أي: كَثُر، وأمِر القوم أي: كَثُروا.

قال ابن مسعود: كُنَّا نَقُول في الْجَاهِلية للحَيِّ إذا كَثُروا: أمِر أمْر بَنِي فُلان.

قلت: وفي حَدِيث هِرَقل - الْحَدِيث الصَّحِيح - لقد أمِرَ أمْرُ ابن أبي كبشة، إنه لَيَخافه مَلك بَني الأصْفر (٤). أي: كَثُر. وكُلّه غير مُتَعَدّ. ولذلك أنْكَرَه الكسائي.


(١) الجامع لأحكام القرآن، المرجع السابق (٧/ ١٦٦).
(٢) قول أبي عُثمان هذا ليس معناه قراءة أُخْرى، وإنما حكى معنى آخر في: (أمَّرْنا).
(٣) في "الحجة في القراءات السبع" ابن خالويه ص (٢١٤): قوله تعالى: (أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا) يُقرأ بالتشديد والتخفيف؛ فالحجة لمن شدد أنه أراد به الإمارة والولاية منها، والحجة لمن خفف أنه أراد أمرناهم بالطاعة فخالفوا إلى العصيان، وأما قول العرب: "أمر بنو فلان" فمعناه كثروا، والله آمرهم، أي: كثرهم وبارك فيهم وفي "المبسوط في القراءات العشر"، الأصبهاني (ص ٢٨٨): قرأ يعقوب (وإذا أرَدْنَا أن نُهلِكَ قَرْيَةً آَامَرْنَا مُتْرَفِيهَا) ممدودة، مثل قراءة ابن عباس وابن أبي إسحاق وغيرهم، وقرأ الباقون (أمَرْنا) غير ممدودة، الميم خفيفة في القراءتين.
(٤) مخرج في الصحيحين: البخاري (ح ٧)، ومسلم (ح ١٧٧٣) والقائل هو أبو سُفيان.

<<  <   >  >>