للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن تيمية: وكُلّ قَوْل يَنْفَرِد بِه الْمُتَأخِّر عن الْمُتَقَدِّمِين ولَم يَسْبِقه إليه أحَد مِنهم فإنه يَكُون خَطَأ (١).

٥ - لأنَّ غَالِب مَا يَكُون مِنْ الْخِلاف بَيْن أقْوَال السَّلَف إنَّمَا هو اخْتِلاف تَنَوُّع، إذْ "ليس في تَفْسِير القُرْآن اخْتِلاف إنَّمَا هو كَلام جَامِع يُرَاد بِه هَذا وهَذا" (٢)، لأنَّ "الْخِلاف بَيْن السَّلَف في التَّفْسِير قَلِيل، وخِلافُهم في الأحْكَام أكْثَر مِنْ خِلافِهم في التَّفْسير، وغَالب مَا يَصِحّ عنهم مِنْ الْخِلاف يَرْجِع إلى اخْتِلاف تَنَوُّع لا اخْتِلاف تَضَادّ" (٣).

قال أبو الدرداء: لا تَفْقَه كُلّ الفِقْه حَتى تَرَى للقُرْآن وُجُوهًا كَثِيرَة (٤).

ومِن هُنا انْقَسَم عُلَمَاء التَّفْسِير بِالْمَأثُور تُجَاه (٥) مَسألة إيرَاد النُّصُوص إلى أقْسَام:

القِسْم الأوَّل: مَنْ يُورِد النَّص والأثَر مُكتَفِيًا بِبَعْض النُّصُوص دُونَ بَعض، مَع التَّرْجِيح.

القِسْم الثَّاني: مَنْ يَحْشُد النُّصُوص في الْمَوْضِع الوَاحِد، ويُكَرِّر إذا احْتَاج إلى التِّكْرار، أوْ يُحِيل على الْمَوضِع الذي حَشَدَ فيه، مَع عَدَم إغْفَال التَّرْجِيح والْجَمْع بَيْن الأقْوَال.

القِسْم الثَّالِث: مَنْ يَكتَفي بِإيرَاد النُّصُوص ونِسْبَة الأقْوَال إلى قَائلِيها، دون تَرْجِيح، ومِن غَير اخْتِيَار.


(١) مجموع فتاوى ابن تيمية، مرجع سابق (٢١/ ٢٩١).
(٢) من قول سفيان بن عيينة، رواه عنه: سعيد بن منصور في سننه (ح ١٠٦١) وعزى السيوطي تخريجه في "الدر المنثور" (٤/ ٣٦٠) إلى سعيد بن منصور وابن المنذر والبيهقي.
(٣) ابن تيمية: "مجموع الفتاوى"، مرجع سابق (١٣/ ٣٣٣).
(٤) رواه أحمد في "الزهد" (ص ١٣٤)، ومعمر بن راشد في "الجامع" (مُلحق بمصنف عبد الرزاق) (١١/ ٢٥٥).
(٥) في اللسان (١٣/ ٥٥٧): والوجاه والتجاه لغتان، وهما ما استقبل شيء شيئًا، تقول: دار فلانٍ تجاه دار فلان.

<<  <   >  >>