للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

زَوْجِها والأخْذ مِنْ مَالِه وتَرِكَتِه فَعِدَّتها هي الْحَوْل، وتَنْزِيل الآيَتَين عَلى هَذين التَّقْدِيرَين أوْلى، حَتى يَكون كُلّ واحِد مِنهما مَعْمُولًا بِه.

القَول الثَّالِث - وهو قَول أبي مُسلم الأصفهاني -: أنَّ مْعَنَى الآيَة: مَنْ يُتَوفَّى مِنْكُم ويَذَرُون أزْوَاجًا وقَد وَصَّوا وَصِيَّة لأزْواجِهم بِنَفَقَةِ الْحَوْل وسُكْنى الْحَوْل، فَإن خَرَجْنَ قَبل ذَلك وخَالَفْنَ وَصِيَّة الزَّوج بَعْد أن يُقِمْنَ الْمُدَّة التي ضَرَبَها الله تَعالى لَهُنّ فَلا حَرَج فِيمَا فَعلن في أنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوف، أي: نِكَاح صَحِيح؛ لأنَّ إقَامَتَهن بِهَذِه الوَصِيَّة غَيْر لازِمَة. قال: والسَّبب أنَّهُم كَانُوا في زَمَان الْجَاهِلِيَّة يُوصُون بالنَّفَقَة والسُّكْنَى حَوْلًا كَامِلًا، وكَان يَجِب عَلى الْمَرْأة الاعْتِدَاد بالْحَوْل، فَبَيَّن الله تَعالى في هَذه الآيَة أنَّ ذَلك غَير وَاجِب، وعَلى هَذا التَّقْدِير فالنَّسْخ زَائل، واحْتَجَّ عَلى قَولِه بوُجُوه:

أحَدها: أنَّ النَّسْخ خِلاف الأصْل، فَوَجَب الْمَصِير إلى عَدَمه بِقَدْرِ الإمْكَان.

الثَّانِي: أن يَكون النَّاسِخ مُتَأخِّرًا عَنْ الْمَنْسُوخ في النُّزُول، وإذا كَان مُتَأخِّرًا عَنه في النُّزُول كَان الأحْسَن أن يَكُون مُتَأخِّرًا عَنه في التِّلاوَة أيضًا، لأنَّ هَذا التَّرْتِيب أحْسَن، فأمَّا تَقَدُّم النَّاسِخ على الْمَنْسُوخ في التِّلاوة فَهو وإن كَان جَائزًا في الْجُمْلَة إلَّا أنه يُعَدّ مِنْ سُوء التَّرْتِيب، وتنْزِيه كَلام الله تَعالى عَنه وَاجِب بِقَدْرِ الإمْكَان، ولما كانت هذه الآية مُتأخِّرَة عَنْ تِلك [في] (١) التِّلاوَة كَان الأوْلى أن لا يُحْكَم بِكَونِها مَنْسُوخَة بِتِلْك" (٢).

وقال ابن جُزيّ: هذه الآية مَنْسُوخة، ومَعْنَاهَا أنَّ الرَّجُل إذا مَات كَان لِزَوْجَتِه أن تُقِيم في مَنْزِله سَنَة، ويُنفَق عَليها مِنْ مَالِه، وذَلك وَصِيَّة لَها، ثم نَسِخ إِقامَتها سَنَة


(١) زيادة يقتضيها السياق.
(٢) التفسير الكبير، مرجع سابق (٦/ ١٣٤، ١٣٥) باختصار، وسيأتي تعقّب قول أبي مسلم هذا في "رأي الباحث".

<<  <   >  >>