للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ)، فَقَال الله جَل ثناؤه لِنَبِيِّه محمد صلى الله عليه وسلم: (يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا) بِمَسْألتهم إيَّاهم ذَلك (كَلَامَ اللَّهِ) وخَبَره (قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ).

فَكَذلك مَعْنَى قَوله: (لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ) إنَّمَا هو لا مُغَيِّر لِمَا أخْبَر عنه مِنْ خَبَرٍ أنه كَائن فيُبْطِل مَجِيئه وكَوْنه ووُقُوعه على مَا أخْبَر جَلَّ ثَنَاؤه، لأنه لا يَزِيد الْمُفْتَرون في كُتُب الله ولا يَنْقُصُون مِنها، وذَلك أنَّ اليَهُود والنَّصَارى لا شَك أنَّهم أهْل كُتُب الله التي أنْزَلها على أنْبِيائه، وقد أخْبَر جَلَّ ثَناؤه أنَّهم يُحَرِّفُون غير الذي أخْبَر أنه لا مُبَدِّل له (١).

وقال ابن جَرير في آيَة "الكهف": يَقُول تَعالى ذِكْرُه لِنَبِيِّه محمد صلى الله عليه وسلم: واتَّبِع يا محمد مَا أُنْزِل إليك مِنْ كِتَاب رَبِّك هذا، ولا تَتْرُكَنّ تِلاوَته واتِّبَاع مَا فيه مِنْ أمْرِ الله ونَهْيه، والعَمَل بِحَلالِه وحَرَامِه، فَتَكُون مِنْ الْهَالِكِين؛ وذلك أنَّ مَصِير مَنْ خَالَفه وتَرَك اتِّبَاعه يَوْم القِيَامَة إلى جَهَنَّم.

وقَال: (لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ) يَقُول: لا مُغَيِّر لِمَا أوْعَد بِكَلِمَاته التي أنْزَلَها عَليك أهْل مَعَاصِيه والعَامِلِين بِخِلاف هَذا الكِتَاب الذي أوْحَيْنَاه إلَيك (٢).

ورَجَّح أنَّ التَّبْدِيل في آيَة "النحل" مُتَعَلِّق بِالنَّسْخ. يَقُول ابن جرير: يَقول تَعالى ذِكْرُه: وإذا نَسَخْنَا حُكْم آيَة فأبْدَلْنا مَكَانَه حُكْم أخْرَى. (وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ) يَقول: والله أعْلَم بِالذِي هو أصْلَح لِخَلْقِه فِيمَا يُبَدِّل ويُغَيِّر مِنْ أحْكَامِه. (قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ) يَقُول: قَال الْمُشْرِكُون بالله الْمُكَذِّبُو رَسُولَه لِرَسُولِه: إنَّمَا أنت يَا محمد مُفْتَر، أي: مُكَذِّب تَخَرّص بِتَقَوُّل البَاطِل على الله.

يَقُول الله تَعالى: بَلْ أكْثَر هَؤلاء القَائِلين لك يَا محمد: "إنَّمَا أنت مُفْتَر" جُهَّال بأنَّ الذي تَأتِيهم بِه مِنْ عِند الله نَاسِخه ومَنْسُوخه، لا يَعْلَمُون حَقِيقَة صِحَّتِه (٣).


(١) جامع البيان، مرجع سابق (٩/ ٥٠٧، ٥٠٨) باختصار يسير.
(٢) المرجع السابق (١٥/ ٢٣٤).
(٣) المرجع السابق (١٤/ ٣٦٢).

<<  <   >  >>