للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي آيَة "السجدة" قَال: (نَاكِسُوا رُؤُوسِهِمْ) أي: مِنْ النَّدم والْخِزي والْحُزْن والذُّلّ والغَمّ. (عِنْدَ رَبِّهِمْ) أي: عند مُحَاسَبة رَبِّهم، وجَزَاء أعْمَالِهم. (رَبّنَا) أي: يَقُولُون: ربَّنا (أَبْصَرْنَا)، أي: أبْصَرْنا مَا كُنَّا نُكَذّب، و (وَسَمِعْنَا) مَا كُنَّا نَنْكِر.

وقِيل: أبْصَرْنا صِدْق وَعِيدِك، وسَمِعْنَا تَصْدِيق رُسُلِك. أبْصَرُوا حِين لا يَنْفَعُهم البَصَر، وسَمِعُوا حِين لا يَنْفَعُهم السَّمْع. (فَارْجِعْنَا) أي: إلى الدُّنيا. (نَعْمَل صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ) أي: مُصَدِّقُون بِالبَعْث. قاله النقاش.

وقِيل: مُصَدِّقُون بِالذِي جَاء به محمد صلى الله عليه وسلم أنه حَقّ. قاله يحيى بن سلام.

قال سُفيان الثوري: فَأكْذَبَهم الله تَعالى فَقال: (وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) [الأنعام: ٢٨].

وقِيل: مَعْنَى (إِنَّا مُوقِنُونَ) أي: قَدْ زَالَتْ عَنَّا الشُّكُوك الآن، وكَانُوا يَسْمَعُون ويُبْصِرون في الدُّنيا، ولكن لم يَكُونُوا يَتَدَبَّرُون، وكَانُوا كَمَنْ لا يُبْصِر ولا يَسْمَع، فَلَمَّا تَنَبَّهُوا في الآخِرَة صَارُوا حِينئذ كَأنَّهم سَمِعُوا وأبْصَرُوا.

وقِيل: أي: رَبَّنا لك الْحُجَّة، فقد أبْصَرْنا رُسُلَك وعَجَائب خَلْقِك في الدنيا، وسَمِعْنا كَلامَهم، فَلا حُجَّة لَنا - فَهذا اعْتِرَاف مِنهم - ثم طَلَبُوا أن يُرَدُّوا إلى الدُّنيا لِيُؤمِنُوا (١).

وأمَّا قَوله تَعالى: (وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا) [الإسراء: ٧٢] فَقد رَجَّح القُرطبي أنه لَيس عَمَى البَصَر (٢)، إذ يَقُول: قَولِه تَعَالى: (وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى)


(١) الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق (١٤/ ٨٧، ٨٨).
(٢) قال ابن جُزي (التسهيل ٢/ ١٧٦): ويحتمل أن يريد بالعمى في الآخرة عمى البصر.

<<  <   >  >>