للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشافعي: لَمَّا حَجَب قَومًا بالسُّخْط دَلّ على أنَّ قَوْمًا يَرَونه بِالرِّضَا، ثم قال: أمَا والله لَو لَم يُوقِن محمد بن إدريس (١) أنه يَرى رَبَّه في الْمَعَاد لَمَا عَبَده في الدّنيا (٢).

وفي آيَة "القِيَامَة" رَجَّح أنَّ مَعْنَى (نَاظِرَةٌ) مِنْ النَّظَر إلى رَبِّها، وعَزَى هَذا القَوْل إلى الْجُمْهُور، فَقَال: قَوله تَعالى: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) الأوَّل مِنْ النُّضْرَة التي هي الْحُسْن والنِّعْمَة، والثَّاني مِنْ النَّظَر، أي: وُجُوه الْمُؤمِنِين مُشْرِقَة حَسَنَة نَاعمَة (إِلَى رَبِّهَا) إلى خَالِقِها ومَالِكِها (نَاظِرَةٌ) مِنْ النَّظر، أي: تَنْظُر إلى رَبِّها. على هذا جُمْهُور العُلَمَاء (٣).

وأحَال على مَا مَضَى في "يونس" وأوْرَد آثَارًا في البَاب.

ورَدَّ تَأوِيل النَّظَر بِالانْتِظَار، فَقَال: وقِيل: إنَّ النَّظَر هُنا انْتِظَار مَا لَهُمْ عِند الله مِنْ الثَّوَاب. ورُوي عن ابن عمر (٤) ومجاهد (٥). وقال عكرمة: تَنْتَظِر أمْرَ رَبِّها. حَكَاه الْمَاوَرْدِي عن ابن عمر وعكرمة أيضًا، وليس مَعْرُوفًا إلَّا عن مُجَاهِد (٦) وحْدَه.

واحْتَجُّوا بِقَوله تَعالى: (لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ)، وهذا القَوْل ضَعِيف جِدًّا خَارِج عن مُقْتَضَى ظَاهِر الآيَة والأخْبَار (٧).


(١) يعني به نفسه.
(٢) الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق (١٩/ ٢٢٨، ٢٢٩)، وقارن بما في "زاد المسير" (٩/ ٥٦، ٥٧).
(٣) المرجع السابق (١٩/ ٩٦، ٩٧) وانظر قول مالك في "حلية الأولياء" (٦/ ٣٢٦).
(٤) روى ابن جرير (٢٣/ ٥٠٩) عن ابن عمر خلاف ذلك.
(٥) ومجاهد روى عن ابن عمر إثبات الرؤية. انظر: جامع البيان، مرجع سابق (٢٣/ ٥٠٩).
(٦) رواه عنه ابن جرير (٢٣/ ٥٠٨، ٥٠٩).
وقال ابن عبد البر في "التمهيد" (٧/ ١٥٧): قول مجاهد هذا مردود بالسنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم وأقاويل الصحابة وجمهور السلف، وهو قول عند أهل السنة مهجور، والذي عليه جماعتهم ما ثبت في ذلك عن نبيهم صلى الله عليه وسلم، وليس من العلماء أحد إلا وهو يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(٧) الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق (١٩/ ٩٧).

<<  <   >  >>