للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأشَارَ إلى الْخِلاف بِقَوله: اخْتَلَف أهْل التَّأوِيل في قَوله: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ) (١)؛ هَلْ هُو مَنْسُوخ أم ثَابِت الْحُكْم؟ فَقَال بَعْضُهم: هُو مَنْسُوخ بِقَول اللهِ جَلّ وعزَّ: (وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً)، وبِقَولِه: (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ) [التوبة: ٥].

ثم رَوَى بإسْنَادِه إلى عَطَاء بن مَيْسَرة أنه قَال: أَحَلّ القِتَال في الشَّهْر الْحَرَام في "بَرَاءة" قَوله: (فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً) يَقُول: فِيهِنّ وفي غَيْرِهِنّ.

وحَكَى ابنُ جَرير عن آخَرِين قَولَهم: بَلْ ذَلك حُكْمٌ ثَابِت لا يَحِلّ القِتَال لأحَد في الأشْهر الْحُرُم بِهَذِه الآيَة، لأنَّ اللهَ جَعَل القِتَال فِيه كَبِيرًا.

ثم رجّح ابنُ جَرير القَوْل بالنَّسْخ، فَقَال:

والصَّواب مِنْ القَوْل في ذَلك مَا قَاله عَطاء بن مَيْسَرة مِنْ أنَّ النَّهْي عن قِتَال الْمُشْرِكين في الأشْهُر الْحُرُم مَنْسُوخ بِقَول اللهِ جَلَّ ثَنَاؤه: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً) [التوبة: ٣٦]. وإنما قُلْنا ذَلك نَاسِخ لِقَولِه: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ) لِتَظَاهُر الأخْبَار عَنْ رَسُول الله أنَّه غَزَا هَوازن بِحُنين، وَثَقِيفًا بِالطَّائف، وأرْسَل أبَا عَامِر إلى أوْطاس لِحَرْب مَنْ بِها مِنْ الْمُشْرِكِين في بَعْض الأشْهُر الْحُرُم، وذَلك في شَوَّال وبَعْض ذِي القَعْدَة، وهُمَا مِنْ الأشْهُر الْحُرُم، فَكَان مَعْلُومًا بِذَلك أنه لَو كَان القِتَال فِيهنَّ حَرَامًا وفِيه مَعْصِيَة كَان أبْعَد النَّاس مِنْ فِعْلِه.

ثم ذَكَر حُجَّة أخْرى تَعْضُد القَول بالنَّسْخ، وهي "أنَّ جَمِيع أهْل العِلْم بِسِيَرِ رَسُول الله لا تَتَدَافَع أن بَيعَة الرِّضْوان على قِتَال قُرَيش كَانت في أوَّل ذِي القَعْدَة" (٢).


(١) وقع في طبعة دار هجر: (وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ) بَدَل أول الآية، وأوّل الآية في القتال في الأشهر الْحُرُم هو المقصود بالنَّسخ. وما أثْبَتَه هو ما في طبعة دار الفِكر.
(٢) يعني: وهو من الأشْهر الْحُرُم.

<<  <   >  >>