للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(وَقَاتِلُوهُم حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ) [البقرة: ١٩٣]، قَوله: (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ) [التوبة: ٥]، وقَوله تَعالى: (تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ) [الفتح: ١٦].

والْجَوَاب عن هَذه بأمُور:

الأوَّل: - وهو مِنْ أحْسَنها وأقْرَبها - أنّ الْمُرَاد بِقَوله: (الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ) تَهْيِيج الْمُسْلِمِين، وتَحْرِيضهم على قِتَال الكُفَّار، فَكأنَّه يَقُول لَهُمْ: هَؤلاء الذين أمَرْتُكم بِقِتَالِهِم هُمْ خُصُومُكم وأعْدَاؤكم الذين يُقَاتِلُونَكم. ويَدُلّ لِهَذا الْمَعْنَى قَوله تعالى: (وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً) [التوبة: ٣٦]، وخَيْر مَا يُفَسّر بِه القُرْآن القُرآن.

الوَجْه الثَّاني: أنها مَنْسُوخَة بِقَوله تَعالى: (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِين حَيْثُ وَجْدْتُمُوهُمْ) [التوبة: ٥]، وهَذا مِنْ جِهَة النَّظَر ظَاهِر حَسَن جِدًّا.

الوَجهُ الثَّالِث: - وهو اخْتِيَار ابن جرير - ويَظهر لي أنه الصَّواب: أنّ الآية مُحْكَمة، وأنّ مَعْنَاهَا: قَاتِلُوا الذين يُقَاتِلونكم، أي: مَنْ شَأنهم أن يُقَاتِلُوكم، أمَّا الكَافِر الذي لَيس مِنْ شأنه القِتَال كالنِّساء، والذَّراري، والشّيوخ الفانية، والرُّهبان، وأصْحَاب الصَّوامِع، ومَن ألْقَى إلَيْكُم السَّلَم؛ فلا تَعْتَدُوا بِقِتَالِهم؛ لأنهم لا يُقَاتِلُونَكُم، ويَدلّ لِهذا الأحَادِيث الْمُصَرَّحَة بالنَّهْي عن قِتَال الصَّبي، وأصْحَاب الصَّوامِع، والْمَرْأة، والشَّيْخ الْهَرِم إذا لم يُستَعَن بِرأيه (١)، أمَّا صَاحِب الرَّأي فيُقْتَل كَدُرَيدِ بن الصِّمَّة، وقَد فَسَّرَ هذه الآية بهذا الْمَعْنَى عُمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وابن عباس والحسن البصري (٢)


(١) مِنْ ذلك مَا رَوَاه مسلم (ح ١٧٣١) وفيه: كان رَسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمَّر أميرًا على جَيْش أوْ سَرِيَّة أوْصَاه في خَاصَّتِه بتَقْوَى الله ومَن مَعه مِنْ الْمُسْلِمِين خَيرًا، ثم قال: اغْزُوا بِاسْم الله في سبيل الله، قَاتِلوا مَنْ كَفَرَ بِالله، اغْزُوا ولا تَغُلُّوا ولا تَغْدِرُوا ولا تُمثّلُوا ولا تَقْتُلُوا وَليدًا. ومَا رَواه البخاري (ح ٢٨٥٢)، ومسلم (ح ١٧٤٤) أن النبي صلى الله عليه وسلم نَهَى عن قَتْل النِّسَاء والصِّبْيَان.
(٢) دفع إيهام الاضطراب، مرجع سابق (ص ٢٧، ٢٨) باختصار يسير.

<<  <   >  >>