للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

سورتها) (١). وبسنده أيضًا إلى علي كرم الله وجهه أنه قال: (رحم الله أبا بكر هو أول من جمع القرآن بين اللوحين) (٢) انتهى، ويروي عن علي أيضًا أنه قال: (إن أعظم الناس أجرًا في المصاحف أبو بكر) (٣).

ومعنى قول عمر: (خشيت أن يذهب القرآن) مع علمه بقوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: ٩] أنه كان مكتوبًا متفرقًا فيذهب البعض بذهاب البعض فلم يعلم كيف كان وضع كتابته، لا لفظُه وأداءُ قراءتِهِ، أو خاف أن ينقطع تواتره في بعض الأوقات أو في الأطراف، أو خاف من التحريف والخلاف (٤).


(١) رواه البخاري في ك: تفسير القرآن، باب: قوله: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ} [التوبة: ١٢٨]، وفي ك: فضائل القرآن، باب: جمع القرآن (٤٩٨٦) وباب: كاتب النبي (٤٩٨٩) وفي ك: الأحكام، باب: يستحب للكاتب أن يكون أمينا عاقلًا (٧١٩١) وفي ك: التوحيد، باب: وكان عرشه على الماء وهو رب العرش العظيم (٧٤٢٥). ورواه غيره.
(٢) رواه الإمام أحمد في فضائل الصحابة (١/ ٢٣٠، ٣٥٤) رقم ٢٨٠ و ٥١٤ وقال محققه: (إسناده حسن … وأخرجه ابن سعد ٣/ ١٩٣ وابن أبي داود في المصاحف صـ ١١ - ١٢ من طرق، وأبو عبيد في فضائل القرآن صـ ٢١٣ رقم ٥٣٧ وحسّن إسناده ابن حجر في الفتح ٩/ ١٢ والسيوطي في الإتقان ١/ ١٦٥ وذكره ابن كثير في فضائل القرآن: وقال هذا إسناد صحيح). ورواه الداني في المقنع صـ ٢ عن عبد خير من قوله، وابن جرير في تفسيره (١/ ٦٣).
(٣) رواه الإمام أحمد في فضائل الصحابة (١/ ٣٥٤) رقم ٥١٣ وقال محققه: (إسناده حسن … وذكره ابن كثير في فضائل القرآن عن جماعة عن الثوري بهذا اللفظ وصحح إسناده) ورواه ابن أبي داود في المصاحف صـ ١١، ١٢ من طرق.
(٤) بل الذي يظهر والله أعلم أنه من باب قوله -صلى الله عليه وسلم- يوم بدر: "اللهم إن تشأ لا تعبد بعد اليوم" رواه البخاري (٤٨٧٥) عن ابن عباس، وقوله يوم أحد "اللهم إنك إن تشأ لا تعبد في الأرض" رواه مسلم (١٧٤٣) عن أنس، وقوله يوم بدر "اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض" رواه مسلم (١٧٦٣) عن عمر؛ مع علمه -صلى الله عليه وسلم- بقوله تعالى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر: ٥١]، وقوله: {قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [الأعراف: ١٥٨] وقوله: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (١٥) وَأَكِيدُ كَيْدًا (١٦) فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا} [الطارق: ١٥ - ١٧]، وقوله: {وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ} [غافر: ٢٥]، وكلها مكية، وعمدًا تركت ذكر بعض الآيات الصريحة في التمكين لهذا الدين كقوله تعالى: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} [المجادلة: ٢١]
وقوله {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} [التوبة: ٣٣ والفتح: ٢٨ والصف: ٩]؛ لكون أكثرِها نزلت بعد بدر، و الحاصل أن علمنا بحكم الله القدري في أمر معين لا يعفينا من إقامة حكمه الشرعي فيه، ونظائر هذا في سيرته وهديه -صلى الله عليه وسلم- كثير، ومن هنا قال شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالة العبودية صـ ١٠ - ١١ (وبالفرق بين هذين النوعين يعرف الفرق بين الحقائق الدينية والحقائق الكونية، وهذا مقام عظيم غلط فيه الغالطون، وكثر فيه الاشتباه على السالكين، حتى زلق فيه من أكابر الشيوخ المدعين التحقيق والتوحيد والعرفان ما لا يحصيهم إلا الله، وإلى هذا أشار الشيخ عبد القادر -رحمه الله- فيما ذكر عنه؛ فبين أن كثيرًا من الرجال إذا وصلوا إلى القضاء والقدر أمسك إلا أنا فإنه انفتحت لي فيه رَوْزَنَةٌ فنازعت أقدار الحق بالحق للحق، والرجل من يكون منازعًا للقدر لا من يكون موافقًا للقدر، والذي ذكره الشيخ -رحمه الله- هو الذي أمر الله به ورسوله)، فَعِلْمُ عمر بِتَكَفُّلِ الله بحفظ كتابه لا يعفيه من عمل ما في وسعه لإقرار هذا القدر الماضي به أو بغيره. والله أعلم.

<<  <   >  >>