للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

العرب -أي: بالخطأ في الإعراب- فلو وضعت شيئًا يعلم به الناسُ كلامَهم ويعرفون كلام الله وَفْقَ مراده، فأبى ذلك أبو الأسود، وكره إجابته إلى ما سأله واجتهد، فقال زياد لرجل: اقعد في طريقه فإذا مر بك فاقرأ شيئًا من القرآن وتعمد اللحنَ فيه، أي: بأن تقرأ ما يكون شاذًّا أو يكون ملحونًا بظاهر ما فيه، ليكون سببًا لبيان إعراب مبانيه، ليتضح بها وجوهُ معانيه، فلما مرَّ به أبو الأسود رفع صوته وقرأ: {أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} [التوبة: ٣]؛ بالجر، فأعظم ذلك أبو الأسود وقال: عز وجه الله أن يتبرأ من رسوله، ثم رجع من فوره إلى زياد فقال: قد أجبتك إلى ما سألت، ورأيتُ أن أبدأ بإعراب القرآن فابعث إليّ رجلًا كاملًا لمعرفة اللسان، في ميدان البيان، فبعث إليه ثلاثين رجلًا فاختار منهم واحدًا من قبيلة بني عبد القيس، فقال له أبو الأسود: خذ المصحف وصبغًا يخالف لون المداد، يعني لنبين المراد، في بيان المواد، فإذا رأيتني فتحت شَفَتَيَّ فانقط واحدة فوق الحرف وإذا ضممتُهما فاجعل النقط في جانب الحرف، وإذا كسرتُهما فاجعل النقطة في أسفل الحرف، فإن أتبعتُ شيئًا من هذه الحركات به فانقط نقطتين، ففعل ذلك حتى أعرب المصحف كله (١).

هذا، وفي الإتقان: (عن ابن مسعود: "جَرِّدوا القرآن ولا تخلطوه بشيء"، أخرجه أبو عبيد وغيره (٢)، وهو يَحْتَمِل وجهين:

أحدهما: جَرِّدوه في التلاوة ولا تخلطوا به غيره.

والثاني: جَرِّدوه في الخط من التعشير والنقط.


(١) هذه القصة رواها أبو بكر الأنباري في كتاب إيضاح الوقف والابتداء في كتاب الله -عز وجل- ١/ ٣٩ - ٤١، وأبو عمرو الداني في المحكم صـ ٣ - ٤.
(٢) رواه أبو عبيد في فضائل القرآن (ص: ٣٩٢) وابن أبي شيبة في مصنفه ٢/ ٣٨١ في التعشير في المصحف بلفظ: "جردوا القرآن"، زاد في رواية "لا تلحقوا به ما ليس منه" وبإسناده رواه عبد الرزاق في مصنفه في أواخر الصوم، ومن طريق عبد الرزاق رواه الطبراني في معجمه الكبير ٩/ ٣٥٣ رقم (٩٧٥٣).

<<  <   >  >>