للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ولكن انضمت الصاد إلى الواو فقرئت {وَقَضَى} (١) ومثل ذلك دعوى من


(١) القراءة سنة متبعة، والرسم تابع لا متبوع، ولو صح ما قاله هؤلاء لكانت كلُّ قراءةٍ يحتمِلُها رسمُ المصحفِ صحيحةً معتبرةً قرآناً، والواقعُ ليس كذلك؛ فما لم يصح له سند فلا يُعْتَدُّ به قراءةً؛ ولو وافق رسمَ المصحف، بدليل: ١ - أن هناك قراءات يحتملها الرسم ولم يقرأ بها أحدٌ من الناس مع أنها صحيحةٌ في اللغة ونَطَقَ بها العربُ، فمن ذلك قوله -سبحانه وتعالى-: {يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ} [البقرة: ٢٠] يجوز في اللغة: يَخْطَفُ، ويَخْطِفُ، ولكن القُرَّاءَ لم يقرؤوا إلاَّ يَخْطَفُ، ومنها ما تُجَوِّزُ اللغةُ والصناعةُ النحويةُ نُطقَه بأوجه مختلفةٍ، ومع هذا لم يقرأ القراءُ إلا بوجهٍ واحدٍ؛ فمن ذلك قوله تعالى: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ} [الإسراء: ١٠٦]؛ جميع القراء بضمِّ الميم مع أن اللغةَ تُجَوِّزُ في الميم الضمَّ والفتحَ والكسرَ، والرسم يحتمله. ٢ - أن رواةَ الرسمِ كنافعٍ قد ينقلون ما يخالف قراءتَهم كما قرأ نافعٌ غيابات بالجمع في آيتي يوسف مع أنه نقل حذفهما في الرسم، وغيره قرأ بالإفراد، وله نظائر. ٣ - أن هناك كلمات يتكرر ورودها في القرآن وترسم في مواضع برسم مخالف لنظائره ومن أمثلتها: أ- آيَاتٌ اتفقت المصاحف على حذف ألف يائها كيف أتت إلا الأَوَّلَيْنِ بيونس وهما قوله: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا} [١٥] و {إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا} [٢١] فإنه بالألف. ب- {لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى} [طه: ٧٧]؛ اختلف النقلة فيها؛ ففي بعض المصاحف بألفٍ وفي بعضها بغيرها كما قرئ بهما في السبعة بخلاف قوله: {فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا} [طه: ١١٢] أيضا فإنه متفق الإثبات. جـ- اتفقت المصاحف على حذف الألف الأخيرة في أَيُّهَ في ثلاثة مواضع؛ وهي قوله تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ} [النور: ٣١]، وقوله تعالى: {وَقَالُوا يَاأَيُّهَ السَّاحِرُ} [الزخرف: ٤٩]، وقوله تعالى: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ} [الرحمن: ٣١]، كما اتفقت المصاحف على إثباتها في غيرها نحو: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ} {يَاأَيُّهَا الْعَزِيزُ} [يوسف: ٧٨، ٨٨] {يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ} [الفجر: ٢٧]. ٤ - أن هناك ألفاظًا اتفق القراء على قراءتها بغير ظاهر رسمها، لعلمهم بأن المرادَ برسمها غيرُ لفظها كقوله: {بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} [الذاريات: ٤٧] بياءين ولا يُلْفَظ إلا بواحدة، وكذا: {أُولَئِكَ} [البقرة: ٥] قبل اللام واو ولا يُلْفَظ بها، وكقوله: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ} [الكهف: ٢٣] بعد الشين ألف ولا يلفظ بها، وكذا رسم {إِيلَافِهِمْ} [قريش: ٢] بلاء ياء ويلفظ بها، و {دَاوُودُ} ملفوظ بواوين ومرسوم بواحد، ورسم {الصَّلَاةَ} و {الزَّكَاةَ} بواو ويلفظ بألف و {وَقَضَى} [الإسراء: ٢٣] بياء ويلفظ بألف فلو كانت القراءات تابعة للرسم ونابعة منه لقرئت هذه الألفاظ بظاهر رسمها والواقع أنه لم ينقل ذلك عن أحد من القراء والله أعلم.

<<  <   >  >>