للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

والمعنى: لو فُرِضَ صحةُ قولِ عثمانَ في هذا الشأنِ (١) لاحتمل اللحن (٢) الذي يكون فيه كناية عن الرمز والإشارة في صور من الكتابة الواقعة في المصحف من بعض الصور لحنًا "كلَحْنِ حديثٍ" يشير إلى نكات لطيفة ومعان شريفة يفهم بالكناية، عن صور الكتابة، أنها ظاهرة عند أرباب الخبرة، وأصحاب العبرة، كالدر النظيم، من جهة ما فيه من صنعة البديع العظيم، وإلا كانت على خلاف مقتضى الظن في الطبع السليم، بحيث يتبادر إلى إنكاره الفهمُ السقيمُ، نحو قوله تعالى: {وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ} [البقرة: ١٧٧]؛ فإن العرب تُتْبِعُ بالواو تارةً (٣)، وتستأنفُ أخرى لغرض المدح والذم والاختصاص، فـ (المُوفُونَ) عطف على {مَنْ آمَنَ} أي: المؤمنون والمُوفُونَ، أو مبتدأٌ خبرُه محذوفٌ، أو رَفْعُه على المدحِ، والقطعُ (٤) هو الأظهر من العطف، وعليه أرباب الوقوف (٥)، و (الصابرين)؛ نصب بفعل مقدر أي: أخص أو أمدح الصابرين أو أعني الصابرين تنبيهًا على


(١) أي: لو فرض صحة نسبة هذا القول لعثمان.
(٢) قال الداني في المقنع صـ ١١٦: (فإن قال: فما وجه ذلك عندك لو صح عن عثمان قلت: وجهه: أن يكون أراد باللحن المذكورِ فيه التلاوةَ دون الرسمِ؛ إذ كان كثير منه لو تُلِي على حال رسْمه لانقلب بذلك معنى التلاوة وتغيرت ألفاظُها، ألا ترى قوله: {أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ} و {وَلَأَاْوْضَعُواْ} و {مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ} و {سَأُرِيكُمْ} و {الرِّبَا} وشبهه مما زيدت الألف والياء والواو في رسمه، لو تلاه تالٍ لا معرفة له بحقيقة الرسم على حال صورته في الخط؛ لصيَّرَ الإيجابَ نفيًا ولزاد في اللفظ ما ليس فيه ولا من أصله فأتى من اللحن بما لا خفاء به على من سمعه مع كونِ رسمِ ذلك كذلك جائزًا مستعملًا، فأَعْلَمَ عثمانُ إِذْ وَقَفَ على ذلك أن من فاته تمييز ذلك وعزَبَتْ معرفتُه عنه ممن يأتي بعده سيأخذ ذلك عن العرب إذ هم الذين نزل القرآن بلغتهم فَيُعَرِّفونَهُ بحقيقةِ تلاوتِه ويَدُلُّونَهُ على صواب رسمِه فهذا وجهه عندي والله أعلم).
(٣) أي: تجعل الواو من التوابع حيث تعطف بها عطفَ نسقٍ.
(٤) أي: الاستئناف.
(٥) انظر: على سبيل المثال "منار الهدى في بيان الوقف والابتدا" لأحمد بن عبد الكريم الأشموني المصري ١/ ٩٥.

<<  <   >  >>