للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

السابقين، وأحوال اللاحقين، ومن الدلالة على مكارم الأخلاق، ورفعِ (١) طرقِ أهلِ الشكِّ والزيغِ والشقاق، بل ولا رطب ولا يابس إلا فيه بالاتفاق، كما قاله (٢) ابن عباس، تنبيهًا للناس؛ شعر (٣):

جميعُ العلمِ في القرآن لكنْ … تَقَاصَرُ عنه أفهامُ الرجالِ

فعجزوا عن المعارضة والمقابلة، واختاروا المحاربة والمقاتلة، وعدلوا عن المقاومة بحسن المقال، إلى قرع الصوارم ورشق النبال، مع ما فيها من هلاك النفس وسبي الحريم والأولاد وذهاب الأموال، وضياع الأحوال، وهذا دليل قاطع على عجزهم في مقالهم، كما أخبر الله عن حالهم، في مبدئهم ومآلهم، بقوله: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا} [البقرة: ٢٤].

ثم لما وقع الخلاف بين العلماء الأعيان في وجه إعجاز القرآن (٤) حيث قال بعضهم: هو وقوعه على وجهٍ يفارق أوزان كلام العرب في نظم كلماته وبديع فصاحته، وصنيع بلاغته، حيث جاوزت فصاحةَ كلِّ فصيح من الفصحاء، وبلغت غايةً ما بلغها كلام البلغاء (٥).


(١) في نسخة (ص) "دفع" وسائر النسخ بالراء كما أثبته وتقدم ذكر الفرق بينهما والقرآن مشتمل عليهما.
(٢) كذا في (بر ١) و (ص)، وفي (ز ٤) " وكما قاله"، وفي (س) " كما قاله ابن عباس -رضي الله عنهما- ".
(٣) ليس في (ز ٤) و (س) و (ل) و (ز ٨) لفظة "شعر".
(٤) انظر: الإتقان للسيوطي، النوع الرابع والستون (٤/ ٦ - ٨).
(٥) قال ابن تيمية في الجواب الصحيح ٥/ ٤٣٣ - ٤٣٤: (نفس نظم القرآن وأسلوبه عجيب بديع، ليس من جنس أساليب الكلام المعروفة، ولم يأت أحد بنظير هذا الأسلوب، فإنه ليس من جنس الشعر ولا الرجز، ولا الخطابة ولا الرسائل ولا نظمُه نظمُ شيء من كلام الناس عربهم وعجمهم، ونفس فصاحة القرآن وبلاغته هذا عجيب خارق للعادة ليس له نظير في كلام جميع الخلق، وبسط هذا وتفصيله طويل، يعرفه من له نظر وتدبر)، وقال رشيد رضا في المنار ١١/ ٣٧٠: (ثم إن أكثر المتكلمين ومن على مذاهبهم من المفسرين على أن تحدي العرب إنما كان بما امتاز به من الفصاحة والبلاغة اللغوية وقد صنفوا في بيان إعجاز القرآن بها كتبًا مستقلة ولم يوفوه حقه من ناحيتها ولا سيما نظمه العجيب من النواحي المعنوية)، وقال أيضًا في المنار ١٢/ ٤٥:
(فيا حسرة على الغافلين الذين زعموا أن إعجازها محصور في فصاحة المفردات والجمل وبلاغة البيان على ما في دلالة الفصاحة والبلاغة على النبوة من الخفاء على الأفكار والأذهان)، وقال سيد قطب في ظلال القرآن ٤/ ٢٢٥٠: (إن إعجاز القرآن أبعد من إعجاز نظمه ومعانيه، وعجز الإنس والجن عن الإتيان بمثله هو عجز كذلك عن إبداع منهج كمنهجه يحيط بما يحيط)، وقال: (وهو أسلوب متميز تمامًا من الأسلوب البشري، وإلا فمن شاء أن يماري، فليحاول أن يعبر على هذا النحو، ثم ليأتي بكلام مفهوم مستقيم؛ فضلا على أن يكون له هذا الجمال الرائع، وهذا الإيقاع المؤثر، وهذا التناسق الكامل).

<<  <   >  >>