ذهب إذ ذاك آذر بعل الى الولاية الرومانية بأفريقية مستنجدا بواليها على ابن عمه فلم ينجده. فسار الى رومة. ولما بلغها وجد بها رسلا من قبل يوغورطة. وجههم بأموال ليستميلوا اليه بعض عظماء الرومان. أبدى آذر بعل فصاحة نادرة ومنطقا محكما في الاحتجاج لنفسه واظهار جور ابن عمه وخبثه. ولكن لم نجد عليه فصاحته عطف الرومان حيث ان ابن عمه اشتراهم بالاصفر الرنان. ولما ألح على رومة في طلب النظر في قضيته عين شيوخها عشرة من الخبراء تحت رئاسة لسيوس آبميوس ليفصلوا القضية. وكان هذا الرئيس يميل الى يوغورطة. نظر الخبراء القضية بمرآة الاغراض فأنتج بحثهم خلاف ما يريد آذر بعل. وذلك أنهم أعطوه نوميديا الاصلية، وأعطوا يوغورطة نوميدنا الغربية وذلك سنة (١١٤).
صار يوغورطة بهذا الفصل أقوى منه قبله. وصار آذر بعل أضعف من حاله سابقا. وهذا لم يخف على الخبراء ولكنهم تعمدوا اعزاز جانب يوغورطة الذي سد مجرى الحق بصرة من المدنانير.
لم يكن يوغورطة ليقنع بشيء دون الاستقلال بمملكة عمه. ولم يكن هناك ما يقف في سبيله: البربر يحبونه، وان عمه ضعيف عن مقاومته، ورومة لا يصعب عليه استمالة رجالها. ففكر في ايجاد سبيل لبلوغ أمنيته وتحقيق برنامجه. ولم يشأ أن يقدم على حرب ابن عمه لانه لا يجهل ان رومة لا تسمح له الاستقلال دون ابن عمه حيث أن سياستها تقضي عليها بالاكثار من الملوك البربريين واذكاء نار المنافسة بينهم.
رأى يوغورطة أن أحسن ما يبلغ به أمنيته التوقي من مشاغبة رومة عليه بملوك البربر. وكان يجاوره بوكوس الاول ملك موريطانيا. فسبقها اليه واستماله اليه قبل الدخول في حرب آذر بعل