وعلى عهد قلوديوس (٤١ - ٥٤) ووسبسيان (٦٩ - ٧٩) أو نربا (٩٦ - ٩٨) تكونت جاليات أخر من قدماء الجند في "أبدوم نفوم"(المدينة الحديثة وهي وادي الدفلة) وفي مدوروس وفي سيطيفس.
وقد كان أكثر الرومان بالجزائر من أبناء قدماء الجند.
علمت سابقا أن الحياة الرومانية بايطاليا كانت في غاية البساطة والسذاجة: شظف في العيش وتقشف في الملبس وكد في العمل. وقد نقلنا لك- الفصل الخامس - كلمة كاطون منهم فيمن يوجد بتركته انه ربح أكثر مما ورث. وفيها ترى شدة عنايتهم بالثروة وعجز وطنهم عن الوفاء برغبتهم، حتى صار يرى هذا الرجل ان سعة الثروة المكتسبة ليس لها طريق يفضي اليها البشر بفكره، وانما ذلك الهام من الالهة خارج عن متناول العقول البشرية.
ان أمة هذه حالها لجدير بها ان تترامى على الاوطان الخصبة بكل ضراوة، وخليق بها أن تجد في تلك الاوطان ليل نهار لتثأر من الثروة التي عزت عليها في وطنها.
لذلك لما حل الرومان بالجزائر استولوا على كثير من الاراضي وقاموا بخدمتها أحسن قيام فمنحتهم أحسن النتائج، فراشوا بعد الفقر وبذخوا بعد الشظف وأصبحت الحياة غير الحياة.
بنوا المنازل الشاهقة ووسعوا نطاق المدن التي حلوا بها. فكانت قرطة تشتمل على مدينتين: داخلية يحيط بها سور، وخارجية وهي أوسع نطاقا. ومساحتها تمتد غربا الى جنان الزيتون ومقبرة الاسلام، وجنوبا غربيا الى قشلة باردوا، وشمالا الى ضفة وادي الرمل الشمالية. قال بارس:"وذكر أبطات قديس ميلة: أنه كان ملاصقا لقرطة حارة عظيمة تدعى "موغاي". والظاهر انه المعروف اليوم بسيدي المبروك، وتمتد هذه الحارة الى ناحية المنصورة"،