الجزائري كانت راقية. وذلك يرجع الى عناية الرومان بالثروة ومظاهر العظمة. وقد حلوا أرضا خصبة وحكموا أمة عاملة حاذقة نشيطة. فلا جرم كانت آثارهم في العمران عظيمة.
وأهم موارد الثروة بالوطن البربري الفلاحة ثم التجارة. أما الصنائع فلم تكن من موارد الثروة، وان كان الوطن لا يخلو منها.
وكانت مراس معتمدة للتجارة، منها اجلجلي، صلداي، قيصرية صيغة. وصنعت الطرق داخل الوطن، وأجادوا في اتقانها وتوسيعها، الا فيما بين القرى. فقد كان بها شيء من الضيق. كانت الطرق تخترق الوطن البربري، والقوافل تقطعها للتجارة. وأكبر طريق هي التي تصل بين برقة والمحيط الأطلانطيقي. وقد كان لبعض الاباطرة يد في جعل الطرق والقناطر، منهم أدريانس والكسندر سويرس.
والوطن البربري لم يكن في العصر الروماني اخصب منه اليوم وأكثر ماء. قال غسال:"بل الظاهر ان الحالة من حيث المطر مماثلة لما هي عليه اليوم، فلم تكن البحيرات التي بوسط عمالة قسنطينة أوسع منها اليوم. يدل لذلك وجود الآثار البرية بشواطئ هذه البحيرات. ولم تكن الاودية أكثر ماء منها اليوم. وفي الكتب الاغريقية روايات عن تكرر اليبس بالجزائر حتى وقعت مجاعات". وذهب بعضهم خلاف هذا ورأى ان هذا الوطن كان على عهد الرومان أخصب تربة واغزر ماء. ونحن نرى أن دعوى المماثلة غير صحيحة، وأن الفرق لم يكن بعيدا جدا اما من حيث الري فمن المحقق ان غابات الوطن كانت اذ ذاك أكثر من اليوم. وهي من أسباب الري لانها تمسك الماء عن الجريان فتروي الارض وتؤثر في الهواء برودة ما. واما من حيث طبيعة الارض فان كثرة استغلالها تضعف من قوة ترابها. وقد ذكر غسال نفسه: " ان شمال نوميديا كان من أخصب الاراضي لكثرة