سلامه على صاحبه بقوله:"ما حدث بأفريقية؟ " (QUID NORD AFRICA) وإذا كنى الرومان عن رجل بسعة ماله قال: في مخازنه قمح أفريقية. وكانوا يقولون: أفريقية مخزن رومة (GRENIER de ROME).
قد يتعجب المرء من كثرة هذه النتائج على قلة أيام السلم. وقد يعجب أيضا بفضل الرومان في العمران. ونحن لا نقف ازاء هاتين النقطتين موقف الدهش بل نعطي رأينا فيهما وللقارئ حق التعقيب:
١ - أما النقطة الاولى فنقول بازائها: حقيقة ان الاضطراب لم ينقطع مدة العصر الروماني، خصوصا بعد ظهور الديانة المسيحية، ذلك أن الفتن كانت سياسية ثم تولدت مع هذا الدين فتن دينية. غير ان الاضطراب لم يكن مستمرا بصفة تمنع أيدي العاملين في التعمير. فما وقعت فتنة شغلت رجال العمران الا أعقبها سلم يمكنهم من مباشرة أعمالهم. على أن أكثر الفتن إنما كانت بموريطانيا حيث تضيق المملكة الرومانية وتنحصر الى البحر. ونتائج الارض بهذا القسم كانت قليلة. وتلك النتائج المدهشة من زروع واشجار إنما كانت بالجهات التي تمكن منها الحكم الروماني فقلت ثوراتها. والخلاصة انه لا منافاة بين وجود الثورات وكثرة الثمرات.
٢ - واما النقطة الثانية فنقول عنها ان ذلك العمران لا يزيد في فضل الرومان بل هو عندي بعكس ذلك: يدل على جور الرومان وضعف انسانيتهم. وذلك ان تلك النتائج ان لم تكن كلها من أراض مملوكة للرومان فجلها لهم من غير شك. والاراضي الرومانية انما كان العامل فيها يد البربر اما بصفة عملة مملوكين واما بصفة فلاحين مكترين وكلاهما تحت الضغط الشديد. فأي فضل للرومان في هذا العمران؟ الارض المنتجة بربرية الاصل واليد المستنتجة بربرية