ثم سمي اسقفا، واتخذ داره نفسها ديرا. وقد اشتهر هذا الدير وتخرج منه نحو عشرة أساقف. منهم البيوس بتغاست، وسفروس سمي بميلة سنة (٣٩٦)، وفرتونتوس سمي بقسنطينة سنة (٤٠٢)، وبوسديوس سمي بقالمة سنة (٣٩٧) وهو مؤرخ حياة اغسطين وافوديوس بأزليس (وجل) في حدود سنة (٤٠٠)، ونفاتوس بسطيفي قبل سنة (٤١١).
ويقال ان أول من أحدث الاديرة بأفريقية القديس أغسطين، وكان من حزب الارثذوكس (سلفي) وانتصب للدفاع عن المسيحية. فرد على أدباء عصره الزارين عليها بكتاب سماه "مدينه الله" ومما جاء فيه في ماقام اثبات الاله قوله: "اني متحقق وجودي. ولا أخشى أن يقال اني غالط في ذلك. لان الغلط دليل الوجود"(١).
وارشد مسيحي ذلك الوقت الذين انحرفوا عن الدين وانغمسوا في الملاهي والخمور حتى كانوا يتعاطونها في المجامع الدينية. واشتد في حماسه الديني عليهم حتى عزم مسيحيو قرطاجنة على الفتك به. ومن أقواله في سبيل الارشاد:"ان الشهداء ترتجف قلوبهم من زجاجاتكم وآلات طبخكم واصطباحكم".
وناظر أصحاب دونتوس بالحجة وأغلق باب السباب الذي لا تخلو منه مناظرتهم سابقا وفتح باب النقد النزيه.
قال بيروني:"وهو أخطب خطيب لطيني وأكبر مفكري كل زمان". عاش القديس أغسطين حتى فتح الوندال. وحوصر ببونة في جملة المحصورين. وتمكن له الفرار فلم يرضه لنفسه ومنصبه. وبقي مع المحصورين إلى أن أدركه أجله سنة (٤٣٠).
(١) عثرت على هذه الجملة الفلسفية في كتاب الدين الطبيعي. نقلها عنه مؤلفه جول سمون، ص٧.