والتاريخ الصادق يشهد لخلاف هذا الرأي أيضا: فان البربر- وان عملوا في تكوين الحضارة الرومانية بوطنهم - انما كانوا بصفة عملة مجبورين. والذين لم تستطع يد الرومان ان تنالهم بالقهر لم يعملوا شيئا في هذه الحضارة. وقد رأيت أن البربر كانوا دائما خلاف الرومان في الدين وثائرين على سياستهم، وانهم كانوا محرومين من الفوائد الاقتصادية، وان اخلاقهم لم تزل بحالها فان أكثر القائمين بالثورات كانوا ممن عرفوا الحضارة الرومانية واخذوا منها ما لا يضر بقوميتهم.
٣ - وفرقة- منها مرسيي وفرنال- تقول: ان البربر لم يقبلوا على الحضارة الرومانية، وانها ذهبت بذهاب سلطانهم. وهاك أهم حجج هذه الفرقة:
١ - مدة وجود الرومان بافريقية- على طولها- لم تنقطع الثورات، ولم يفتأ البربر فيها مدافعين عن ديارهم وعوائدهم، ولم توجد أية قوة تنزع من قلوبهم حب التمتع بالاستقلال.
٢ - لم يوجد من البربر من أعان الرومان، وما كان من مسيزال فانما كان انتقاما من أخيه الذي قتل له ولدين لا حبا في الرومان. ويوضح لك ذلك انه كان حارب الرومان مع أخيه فرموس، وانهم لم يجازوه على أعانته لهم على جلدون جزاء المعين المخلص.
٣ - عدم انتشار اللغة اللطينية بين البربر حتى آخر عصر الدور الروماني اذ كان عصر القديس أغسطين الولاة الاداريون والرؤساء الدينيون يحتاجون الى ترجمان بينهم وبين البربر.
٤ - لم يبق من مدنية رومة غير الخرابات والاحجار المنقوشة، ولو أثرت رومة في البربر حقيقة لبقي من حضارتها أشياء أخر غير الخرابات.