لخلاف ذلك. فلنبحث عن العلة في غير القوة الحربية والحنكة السياسية.
يقول بعض المؤرخين: أن الذي سهل على الوندال احتلال الوطن البربري وقرب أمده هو اتفاقهم والبربر طبعا ودينا. ذلك بأن طبع الجميع حب الثورات وهدم الحضارات، ودين الجميع كان على خلاف دين الرومان الارثذوكس. وليس ذاك عندي بصحيح. فان البربر إنما كانت ثوراتهم حبا في الاستقلال وتطهير هوائهم من سموم الانفاس الاجنبية، وكانوا أكثرهم وثنيين والمسيحيون منهم كانوا غير متفقين مذهبا مع الوندال.
ومن المؤرخين من يعترف بوجود فروق بين البربر والوندال من شأنها ان توجد الكراهية والبغضاء بين الامتين. وهذه الفروق هي: اللغة، القوانين، الاخلاق، العوائد، اللون. ويعلل هذا المؤرخ سرعة احتلال الوندال بأمرين: انتشار الفوضى في الوطن، وحسن سياسة القائد الوندالي.
وليس هذا بصحيح عندي أيضا. أما الفوضى البربرية فانما هي من حيث فقد أمير عام يلتفون حوله، لان الرجال الذين يصلحون لذلك قد قضت عليهم رومة، ولا يمنع ذلك من وجود رؤساء على عشائر يقومون بالدفاع عن وطنهم وتعطيل سير الوندال به، وأما حسن سياسة القائد الوندالي فليست هي التي استمالت اليه البربر، وانما نفعته في جمع كلمة من تحت رايته من قومه وتثبيت قدم دولته بعد الاحتلال.
وعندي أن لا سبب لسرعة احتلال الوندال غير مساعدة البربر لهم. وعلة مساعدتهم أنهم كانوا ينفرون من سلطة رومة، ويعشقون الاستقلال. وقد حاولوا مرارا أن يبلغوا مرادهم من طرد الرومان