وبسقوط ملكهم ذهب من أفريقية كل شيء وندالي. قال مرسيي:" بعد ستة أشهر من مجيء البيزنطيين لم تبق أفريقية وندالية. الامر الذي يدل على ان استيلاءهم لم يتمكن منها. وذلك أنهم بعد ما فتحوها فتحا سريعا مدوا أعينهم الى جهات أخرى. فاشتغلوا بالفتح واطفاء الثورات. ولم يستعمروا الارض وينشروا المدنية. ولم يمتزجوا بالمعمرين من الرومان ولا اتخذوا روابط مع البربر. وبهذا ذهب أثرهم بأثر فقد ملكهم. أما رجالهم فقد ذهب أكثرهم في الحرب. وانتقل بعضهم مع جلمير الى المشرق ودخلوا تحت العلم البيزنطي. وانتقل آخرون الى جهات أخرى. وبقي منهم قليل بأفريقية. ولكن لم يكن لهذا الباقي تأثير بها. لانهم أمة حربية ذهب جندها وملكها. ولم يبق لهم بعد دولتهم الا ذكرهم السيء. وكل فتح لم يرتكز على الاستعمار يذهب أثره بذهاب دولته".
وقال بيروني:"لا يوجد دليل على ان الوندال حكموا نوميديا كلها. إنما كان سلطانهم حقيقيا على الشواطيء الساحلية. وهو أشبه شيء باستيلاء الاسبان في القرن السادس عشر" وبعد ان ذكر كلاما نظير ما قدمنا عن مرسيي قال: " ويقول بعض المؤرخين: ان الوندال أخذوا شيئا من الحضارة الرومانية. وأعانوا الفلاحة. وجلبوا المياه. واخترعوا صناعة أسلحة. وهم أمة متعصبة للغتها وآدابها لا تسمح لها نفسها بتعلم اللغات الاجنبية وآدابها. ومع ذلك فان لجنسريق ابن أخ كان متضلعا في اللغة اللطينية وعلوم رومة. وشهد كثير من المؤرخين بأن تراسمند كان أعلم أهل أفريقية، وكان يحب المحاورة باللسان اللطيني في المسائل الإلهية والفلسفية مع رجال الكنيسة. وألف باللغة اللطينية كتابا يؤيد فيه مذهب أريوس، أظهر فيه بلاغة في الانشاء ومقدرة في المنطق. والوندال- وان كانوا أقل حضارة من الرومان- استفادوا من مماستهم، ونقلوا عنهم في أمد