وفي هذا الحين كان الوالي بافريقية يدعى جرجير (GREGOIRE) وقائد الجيش يدعى هرقل. فثار القائد على فوقاص سنة (٦٠٨) وقطع عنه القمح الذي كانت العاصمة تستورده من أفريقية. فخاطبه البيزنطيون في الانتقال الى القسطنطينية على ان يعينوه على استلام العرش من يد غاصبه. وكان كبير السن. فاجابهم على ان يوجه ابنه مكانه. ونافسه جرجير. فأرسل كلاهما ولده المسمى باسمه. وبما أن هرقل هو قائد الجيوش كان الاسطول تحت قبضته. فسير ابنه بحرا. وسير جرجير ابنه برا. فسبق هرقل بن هرقل. وقتل فوقاص. وجلس على العرش. ولما خاب جرجير فيما كان يأمله من تبوأ عرش القسطنطينية أعلن انفصال افريقية عنها، واستقل بها. وجعل عاصمته سبيطلة.
بقي جرجير على رأس هاته الدولة التي لم تكن لها قوة وهي مرتبطة بالامبراطورية فكيف تحصل لها وهي مستقلة عنها وفي غير وطنها.
وفي سنة (٦٤٧) هجم العرب على هذه الدويلة. فقضوا عليها لاول هجومهم. وقتلوا جرجير. واحتلوا عاصمته. ومن ذلك الحين انقرضت السلطة الرومية من الشمال الأفريقي بعد ما لبثت (١١٣) سنة.
كان انقراضها بهذه السهولة لانها لم تكن ثابتة الاركان، فقد سبق أنها عاشت في حروب واضطرابات. وان سلطة هذه حالها لا تلفت النظر الى ما تركته من علوم وصنائع وفنون وأنظمة وعمران. بل انها لا تترك الا ما يناسبها من جهل وفوضى. فلم ينتج عنها غير خراب الاذهان والاوطان.
والخلاصة ان البربر عادوا في العصر الرومي الى حياة الوحشية والهمجية تحت رؤساء لا دراية لهم بغير الحرب والسلب.