واختراعهم الاسلحة القاضية على النفوس المخربة للعمران. وانما بعدل أمرائهم واخلاص جيوشهم وكفاءة قوادهم. وهذه ميزات لا توجد في محاربيهم. اختصوا بها: لبعدهم عن النعيم والترف الموجبين للراحة وسآمة مقارعة الخطوب، ولكونهم متدينين بدين مهذب للنفوس ومعتقدين باله واحد مطلع على القلوب لا تخفى عليه خيانة خائن ولا جور جائر.
ومما يدلك على شدة تأثير الاسلام في العرب وسرعته وفضله في تطهير القلوب وانارة العقول اتفاقهم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم على تقديم أبي بكر لخلافته واسراعهم لذلك، وهم الذين كانوا لا يدينون لاحد بالطاعة، وكل يرى نفسه أميرا. هؤلاء صاروا يخضعون لرجل واحد ليس له سلف في الملك والامارة، ويحسنون انتخابه واختياره. وان أرقى أمة اليوم في العلم وأعرقها في الحضارة لم تزل تفتك بها الاغراض الشخصية في الانتخابات العمومية.
ومن كلام أبي بكر الدال على فضله وكفاءته خطبته التي خطبها في اليوم الثاني لخلافته. قال- بعد أن حمد الله وأثنى عليه-: "أيها الناس! قد وليت عليكم ولست بخيركم. فان أحسنت فأعينوني، وان أسأت فقوموني. الصدق أمانة والكذب خيانة. والضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ له حقه، والقوي ضعيف عندي حتى آخذ منه الحق ان شاء الله تعالى. لا يدع أحد منكم الجهاد فانه لا يدعه قوم الا ضربهم الله بالذل. أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فاذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم".
ومن كلامه الدال على عدله وحسن سياسته وصيته لجيشه الذي وجهه الى الشام. قال: "عليكم بتقوى الله في السر والعلانية. واذا قدمتم على جندكم (يخاطب القواد) فأحسنوا صحبتهم وأبدأوهم