للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أسلافنا، اذا كان بينهم أشياء شخصية لا يذكرونها وقت الشدة، ويتناسونها أمام الصالح العام.

لما أحاط البربر والروم بأصحاب عقبة نزلوا عن خيولهم وكسروا أجفان سيوفهم استطابة للموت على الاسر، وحبا في الموت الشريف، وكراهية للحياة اذا كان فيها ذل وهوان. فقاتلوا حتى قتلوا عن آخرهم. وكانوا زهاء ثلاثمائة من الصحابة وكبار التابعين.

قال ابن خلدون: "واجداث الصحابة رضي الله عنهم أولئك الشهداء عقبة وأصحابه بمكانهم ذلك من أرض الزاب لهذا العهد. وقد جعل على قبر عقبة اسنمة، ثم جصص واتخذ عليه مسجد عرف باسمه. وهو في عداد المزارات ومظان البركة. بل هو أشرف مزور من الاجدات في بقاع الارض لما توفر فيه من عدد الشهداء من الصحابة والتابعين الذين لا يبلغ أحد مد احدهم ولا نصيفه " (١) ومسجد عقبة هو المسجد الجامع للقرية التي تعرف لعهدنا هذا باسم سيدي عقبة. وضريحه داخل المسجد.

وظاهر كلام ابن خلدون ان عقبة صحابي. وهو ليس كذلك. وانما ولد في عصر النبي صلى الله عليه وسلم فقط ولذلك يقولون فيه: صحابي بالمولد. فاطلاق الصحابي عليه توسع. وصريح كلامه ان تلك القطعة من وطن الجزائر أشرف بقعة تزار يريد شكير البقاع التي عرفت للانبياء. وكلامه هذا صحيح. فللجزائر مفخرة لا ينازعها فيها وطن آخر بضمها لاجساد أولئك العظماء في الدين والتاريخ، عظماء في الدين لانهم من أهل القرنين المفضلين على ما بعدهما من القرون، وقد ماتوا شهداء، واليهم يرجع الفضل في اسلامنا الذي نعده أنفس شيء أخذه الاسلاف عن أمثالهم، وأعز تراث تركه لنا


(١) ج٦ ص١٤٦ - ١٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>