للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هزيمة البربر. وتركوا قتلى كثيرين. ومن أربه سار الى تيهرت. وانتصر بها على جموع البربر والروم. ومنها توجه الى المغرب الاقصى. فجاس خلاله بسرعته المدهشة حتى بلغ المحيط الاطلانتيقي. ثم قفل راجعا الى القيروان. واذن لجيوشه في اللحاق بها.

وكان أبو المهاجر في اعتقاله مصاحبا لعقبة في غزواته هاته ومعه أيضا كسيلة. وكان يستهينه. قال ابن خلدون: "يقال انه كان يحاصره في كل يوم، ويأمره بسلخ الغنم اذا ذبحت لمطبخه" (١).

أبو المهاجر- وان كان بينه وبين عقبة حزازات شخصية- لم يكن ليخون دينه ودولته. فأخذ يشير على عقبة باصطناع كسيلة، ويوقظه الى سوء سياسته، ويذكره بسيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع جبابرة العرب واستئلافه لهم. كل ذلك لم يلين من سورة عقبة، فلم يقلع عن سياسته.

ولما انتهى الى مدينة طبنة صرف الجنود الى القيروان. ولم يبق الا في طائفة قليلة ثقة بانتصاراته على البربر، واستخفافا بشأن كسيلة. وسار في تلك البقية قاصدا تهودا لينزل بها الحامية.

علم كسيلة بقلة من بقي مع عقبة فأرسل الى الروم والبربر يعلمهم بذلك. وأرسل أيضا الى الكاهنة صاحبة جبل أوراس. فأقبلوا في جموع عظيمة. وأحاطوا بشرذمة عقبة. فلما رأى كثرتهم وقلته علم أنه مستشهد لا محالة. فسرح أبا المهاجر وقال له: الحق بالقيروان، فقم بأمر المسلمين. وأنا أغتنم الشهادة. وكان أبو المهاجر تتيسر له النجاة لما بينه وبين كسيلة من المودة. ولكنه أبى أن يرجع سالما ويهلك عقبة. فأجابه بقوله: وأنا أغتنمها ايضا. هكذا كان


(١) ج٤ ص١٨٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>