عند بئر تدعى بئر العطر ثم اطلق عليها بئر الكاهنة. وذلك سنة ٧٠٥ م".
وفي كلامه هذا نقطتان غير مسلمتين: أولاهما ان مورخي العرب لم يذكروا أسر حسان للولدين. بل ذكروا انه عقد لهما على قومهما بعد والدتهما. وهذا هو الصحيح الموافق لما عرف عن العرب جاهلية واسلاما من عدم الاساءة الى الرسول، والموافق ايضا لما عرف به حسان من الحنكة السياسية، اذ لو فعل ذلك لنفر منه البربر. ثانيتهما ان غيره ذكر ان قومها دعوها الى الاسلام لما أيقنوا بهلاكها فامتنعت منه وامتنعت من الفرار أيضا. ومن كلامها في هذا الشأن ما في تاريخ دول الاسلام: "انما الملكة من تعرف كيف تموت" (١) وفي موجز الكعاك من خطابها لقومها: "الفرار عار وسبة في وجه أمتي. والتي قادت البربر والروم ضد العرب يجب ان تموت موت الملكات". ولا شك ان طلبها الاسلام طمعا في النجاة لا عن ايمان انما هو نوع من الفرار. ويؤيد عدم طلبها للاسلام انها لو فعلت ما قاتلها حسان. وكل من له المام ضعيف بتاريخ الاسلام يعلم ان العرب لا يقاتلون الا بعد ان يعرضوا على محاربيهم الاسلام أو الجزية. فكيف يعقل رفض حسان لاسلام الكاهنة وهو انما يحارب لتلك الغاية؟
والخلاصة أن رواية غروت فيها طعن في أعظم رجل من فاتحي المغرب، وهو طعن باطل. وفيها تنقيص لملكة عظيمة من البربر. وهو باطل أيضا. وكل من ينظر التاريخ بعين الحقيقة يراها درة في جيد تاريخ المرأة لما كانت عليه من حسن التدبير وشدة البأس وصدق الدفاع عن الوطن والثبات على المبدأ.