والذي ترك به كل طابعه، والذي اختلط فيه الرومان والروم ليغرسوا به المسيحية اللطينية- أصبح من هذا الحين (يعني الفتح العربي) كله شرقيا. وانقضى بذالك عصر الاتحاد اللطيني الذي كان حول البحر الابيض" (١).
هذه الشهادة من اغسال الاختصاصي في التاريخ القديم ندفع بها في وجوه المتفيهقين المتطفلين على التاريخ الزاعمين أن الجزائر وبقية افريقية الشمالية وطن غربي لا صلة له بالشرق أصلا. وهاك شهادة أخرى من هذا المؤرخ عن علم وبحث. قال أثر ما تقدم: "البربر كانوا يثورون على العرب اما انفة من أداء الخراج واما طمعا في الاستقلال. وغرضهم اخرج العرب من وطنهم. وقد استطاعوا أن يؤسسوا دويلات أو دولا من طرابلس الى الاندلس. ومع ذلك لم يفكروا ولا يوما واحدا في رفض لغة العرب وديانتهم والرجوح الى اللغة اللطينية والدين المسيحي. فبقي مؤلفوهم في التوحيد والفقه والتاريخ يكتبون تآليفهم باللغة العربية. وملوكهم شادوا قصورهم على الفن العربي. وصارت بعض القبائل البربرية تلفق انسابا تتصل بها من العرب. ولم يبق من حضارة الرومان والبيزنطيين غير خرابات عظيمة وتذاكير للقوة الرومية".
هكذا كان تأثير العرب على البربر بعيد الاثر حتى انتهى الى الانساب. ولذلك قال بيروني في وجوه تمييز العرب من البربر - وصدق فيما قال: "من انتسب الى البربر أو تكلم بلغتهم فلا شك أنه بربري. ومن انتسب الى العرب أو تكلم بلغتهم فلا يجزم بانه عربي " وهذا التأثير السريع العميق الخالد لا تجد له نظيرا في تاريخ البربر.