قال بيروني:"احتار كل المؤرخين من سرعة تأثير العرب على البربر في ديانتهم وعاداتهم واخلاقهم. ويوجه ذلك بعضهم بأن العرب والفينيقيين متقاربون في اللغة، ومتحدون في الاصل الذي ينشأ عنه تقارب في الطبائع " ومراده أن الفينيقيين أثروا في البربر. وبقي تأثيرهم ذلك الى أن جاء أخوانهم العرب فلحقوه. وهذا غير صحيح على اطلاقه. فانا مع اعترافنا بمحافظة البربر على ما أخذوه من قرطاجنة لا نعتقد أن البربر صاروا فنيقيين: ليست بينهم وبين العرب فوارق شديدة في مناحي حياتهم. فهم- وان أخذوا حظا وافرا من حياة البونيقيين- قد صبغوه بالصبغة البربرية، وابتعدوا به عن أصله". وهذا ما لا ينكره بيروني ولا غيره. واذن فان الفينيقيين ليست لهم يد فيما لان للعرب من تأثير على البربر. اللهم الا ما كان من قبل اللغة فلا ننكره بل نقول كما قال اغسال: ان بقاء الفينيقية بألسنة البربر سهل عليهم تعلم العربية. ولا نكبر هذه المساعدة أيضا: فانه لا يعقل أن تبقى البونيقية بألسنة البربر تلك القرون من غير ابتعاد عن أصلها.
والوجه عندي أن العرب هم الذين كونوا أسباب الانقلاب السريع الغريب من غير مساعدة خارجية. ذلك أنهم لم يأتوا الى هذا الوطن لغرض سياسي أو تجاري أو استعماري. وانما أتوا لنشر مبدأ فيه سعادة البشر في الحياتين. وأيدوا صدقهم في قصدهم بقسطهم. فأقبل البربر على ذلك المبدا وهو الاسلام. ولم ينفروا أولا من العرب لعدلهم. ثم لما رأوا آثار الجور أخذت تبدو منهم قلبوا لهم ظهر المجن. وبقوا متمسكين بحضاراتهم وديانتهم. وهذا الوجه تجده أيضا في كل الاوطان التي كان للعرب بها سلطان.
وقبل أن نختم هذا الفصل ننبه القارىء الى أن العرب لم يهدموا في فتحهم المغرب غير صروح الخرافات ومعاقل الفوضى. أما