ونشروا دعاتهم في البلاد لاصطياد غفل العوام باشراك سداها التدجيل بالغلو في العبادة والمبالغة في تعظيم آل البيت ونسبة الكرامات اليهم.
وبهذا تأسست دولة بني عبيد الذين كان منهم من ادعى الالوهية أو أدعيت له.
هذه صورة مصغرة لحياة المسلمين الدينية والسياسية في القرن الثاني. قال السهروردي:"ولم يعرف اسم التصوف الى المائتين من الهجرة" اهـ. ولا يعرف بالضبط تاريخ ظهور التصوف ولا واضعه ولا أول صوفي. وقد قيل ان الصوفي منسوب الى صوفة الذين كانوا يجيزون بالحجاج في الجاهلية. وأول من سمي منهم صوفة هو الغوث ابن مر بن ادبن طابخة بن الياس بن مضر، ويزيفه انه لم يعرف اسم الصوفية لطائفة من العباد ذات شعار خاص لا في الجاهلية ولا زمن الصحابة والتابعين، وهناك أقوال في توجيه لفظ الصوفي، نقضها القشيري في رسالته، وقال:"لا يشهد لهذا الاسم من حيث العربية قياس ولا اشتقاق والا ظهر انه كاللقب " اهـ.
ولم يوجه القشيري تلقيبهم بهذا اللقب. فكأنه اعترف بأنه لا أصل له في العربية. وهو الحق، فان التصوف معرب تيو صوفية (THEOSOPHIE) وهو لفظ يوناني مركب من تيوص بمعنى الإله وصوفية بمعنى الحكمة. وهي طريقة رياضية لمعرفة الله، يزعم أهلها مناجاته ووحيه اليهم ونيلهم منه عرفانا ومننا خاصة وانه يتجلى لهم في الكون أو الطبيعة حتى يمتز جوابه ومذهبهم وحدة الوجود، ولمريديهم درجات في السلوك الى هذه الغاية.
هذا هو التصوف الذي عرفه اليونان والهنود قديما، ثم استقت منه المسيحية حتى اذا انتشرت باروبا غطته فتنوسي بها الى أن أحياه بالتآليف العديدة سبينوزا بروخ اليهودي المتوفي بمدينة لاهاي سنة ١٠٨٨ (١٦٧٧ م) فصار التصوف معروفا اليوم بأروبا.