بالغنا في الايجاز فانه موضوع طويل عريض، وله بحياة المسلمين الدينية والسياسية ارتباط قوي، فلا يجدر بالمؤرخ اهماله وان لم يسعه استقصاؤه.
وقد عرفت الجزائر التصوف زمن بني عبيد، لكن العلماء انكروا عليهم وكفروهم حتى قال محمد بن عمار الكلاعي الميروقي يوصي ابنه من قصيدة:
وطاعة من اليه الامر فالزم ... وان جاروا وكانوا مسلمينا
فان كفروا ككفر بني عبيد ... فلا تسكن ديار الكافرينا
فلم يكن يومئذ بالمغرب شأن للصوفية الى أن جاءت الدولة المؤمنية ونشرت المعارف ونصرت الفلسفة، فظهر من الصوفية رجال ذوو علم طار صيتهم في الآفاق ولكن لقوة نفوذ الدولة لم يتغلبوا على العامة حتى سقطت وخلفتها دول تنازع امراؤها أمرهم بينهم فضعف سلطانهم، وعلت كلمة الصوفية فمثلوا أدوارهم مع العامة وكان ذلك مبتدأ انحطاط الجزائر والمغرب دينيا وسياسيا.
ومن مشاهير الصوفية الذين عرفتهم الجزائر أبو مدين شعيب الاندلسي دفين تلمسان المتوفي سنة ٥٩١ (أو) ٥٩٤ قرأ بفاس على ابن حرزهم وغيره وأخذ التصوف عن أبي يعزى وتعرف في عرفة بالشيخ عبد القادر الجيلاني وأخذ عنه واستوطن بجاية فكان يقرئ بها رسالة القشيري وغيرها، وكثر أتباعه فاستقدمه يعقوب المنصور الى مراكش فلما بلغ تلمسان توفي بها ودفن برابطة العباد، وضريحه مشهور يتبرك به.
ومن كلامه " بفساد العامة تظهر ولاة الجور وبفساد الخاصة تظهر دجاجلة الدين الفتانون " وقال: "احذر محبة المبتدعين فهو أبقى على دينك، واحذر محبة النساء فهو أبقى على قلبك".