أفنى وأعمى ذا الطبيب بطبه ... وبكحله الاحياء والبصراء
فاذا مررت رأيت من عميانه ... أمما على أمواته قراء
فاستعادني حتى عجبت منه مع ما اعرف من عدم ميله الى الشعر، فقال أظننت اني استحسنت الشعر؟ فقلت مثلك يستحسن مثل هذا، فقال انما تعرفت منه قدم قراءة العميان على المقابر، وكنت أراها حديثة العهد" اهـ.
وههنا يتذكر المرء قول ابي مدين: " بفساد العامة تظهر ولاة الجور وبفساد الخاصة تظر دجاجلة الدين الفتانون " اهـ ولا يتسع للتدجيل غير ميدان التصوف المبني على الدعاوي والنواميس الظاهرية فكثر المنتمون لطريقتي ابي مدين وابي الحسن الشاذلي. على ان الشاذلية تفرعت عن المدينية. وسند المدينية عندهم هو ابو مدين عن ابي الحسن بن حرزهم عن القاضي ابي بكر بن العريي عن الغزالي عن امام الحرمين عن ابي طالب المكي عن ابي محمد الجريري عن الجنيد عن سري السقطي عن معروف الكرخي عن داود الطائي عن حبيب العجمي عن الحسن البصري عن علي بن ابي طالب (ض) عن النبي (ص) وهذا السند مشتمل بزعمهم على المصافحة ولباس الخرقة، وسواء كان السند صحيحا أم مفترى فان العبرة بالاقتداء لا بالانتماء.
وانتشار طرق الصوفية بين العامة في عصر دليل على تقصير علمائه في احياء كتاب الله وعلى ضعف الحكومة عن بسط نفوذها في الامة مباشرة، أو نقول ان سيادة المتصوفة دليل على انحطاط الامة سياسيا وعلميا ودينيا. وفي الصحف السابقة ما يجلي لك هذه الحقيقة. قال ابو بكر الشاشي:
لحا الله دهرا سدتمو ميه أهله ... وأفضى اليكم فيهم النهي والامر
فلم تسعدوا الا وقد أنحس الورى ... ولم ترأسوا الا وقد خرق الدهر