هذا المثل من أمثال أهل المدينة، سار على عهد رسول اللَه صلى اللَه عليه وسلم، وكان حينئذ بالمدينة ثلاثة من المُخَنَّثين: هيت، وهرم، وماتع، فسار المثل من بينهم بِهِيتٍ وكان المخنثون يدخلون على النساء فلا يُحْجَبُونَ فكان هيت يدخل على أزواج رسول اللَه صلى اللَه عليه وسلم متى أراد، فدخل يوماً دار أم سَلَمة رضي اللَه تعالى عنها ورسولُ الله صلى اللَه عليه وسلم عندهان فأقبل على أخي أم سَلَمة عبدِ الله بن أبي أمية يقول: إن فَتَح الله عليكم الطائفَ، فسَلْ أن تُنَفَّلَ بادية بنت غيلان بن سلمة بن معتب الثقفية فإنها مُبَتَّلة هيفاء، شَمُوع نَجْلاء، تَنَاصَفَ وجهها في القَسَامة، وتجزأ معتدلاً في الوسامة، إن قامت تَثَنَّتْ، وإن قعدت تبنت، وإن تكلمت تَغَنَّت، أعلاها قَضِيب، وأسْفَلُها كَثيب، إذا أقبلت أقبلت بأربع، وإن أدْبَرَتْ أدبرت بثمان، مع ثَغْر كالأقْحُوَان، ⦗٢٥٠⦘ وشيء بين فخذيها كالقَعْب المكْفَأ كما قال قيس بن الخطيم:
بين شُكُولِ النِّسَاءِ خِلْقَتُهَا ... قَصْدٌ فلا جَبْلَةٌ ولا قَضَفُ
فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: مالَك؟ سَبَاك الله! ما كنتُ أحسبك إلا من غير أولي الإرْبَةِ من الرجال فلذا كنت لا أحْجُبُك عن نسائي، ثم أمره بأن يسير إلى خَاخ، ففعل، ودخل في أثَرِ هذا الحديث بعضُ الصحابة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أتأذن لي يا رسولَ الله في أن أتبعه فأضرب عنقه؟ فقال: لا، إنَّا قد أُمِرْنا أن لا نقتل المُصَلِّين فبلغ خبرُه المخنثَ فقال: ذلك من النازدرين أي من مخرقي الخبر، وبقي هِيتٌ بخاخ إلى أيام عثمان رضي الله عنه.
قلت: هذا تمام الحديث، وأما تفسيره فقد فسره أبو عُبَيْد القاسم بن سلام في غريبه فقال: أما قوله: "وإن قعدت تبنت" فالتبني: تباعُدُ ما بين الفخذين، يقال " تبنت الناقة" إذا باعدت ما بين فخذيها عند الحلب ويقال "تبنت" أي صارت كأنها بُنْيَان من عظمها، وقوله "تقبل بأربع" يعني بأربع عُكَن في بطنها، وقوله "وتدبر بثمان" يعني أطرافَ هذه العُكَن الأربع في جنبيها لكل عكنة طرفان، لأن العُكَن تحيط بالطرفين والجنبين حتى تلحق بالمَتْنين من مؤخر المرأة، وقال "بثمان" وإنما هي عدد للأطراف واحدها طرف وهو مذكر، لأن هذا كقولهم "هذا الثوب سبع في ثمان" على نية الأشبار، فلما لم يقل في ثمانية أشبار أتى بالتأنيث، وكما يقولون "صُمْنَا من الشهر خمساً" والصوم للأيام دون الليالي، فإذا ذكرت الأيام قيل "صُمْنا خمسة أيام" وقوله "تغترق الطَّرْف" أي تَشْغَل عين الناظرين إليها عن النظر إلى غيرها، ويقال: بل معناه أنها يُنْظَر إليها بالطرف كله، وهي لا تشعر، وقوله "شَفَّ وَجْهَها نَزَفُ" أي جَهَده، يريد أنها عَتيقة الوجهِ دقيقة المحاسن ليست بكثيرة لحم الوجه، والنزف: خروجُ الدم، أي أنها تضرب إلى الصُّفْرة، ولا يكون ذلك إلا من النعمة، والشُّكُول: الضروبُ، والْجَبْلَة: الكَزَّة الغليظة.
وأما اسم هيت فقد اختلفوا فيه، قال بعضهم: هو هنب بالنون والباء، قال ابن الأعرابي: الهنب الفائقُ الحُمْقِ، وبه سمي الرجل هنبا، وقال الليث: قد صحف ⦗٢٥١⦘ أهلُ الحديث فقالوا هيت، وإنما هو هنب، وقال الأزهري: رواه الشافعي رحمه الله وغيره هيت - بالتاء - وأظنه صواباً، هذا كلامهم حكيته على الوجه، والله أعلم. وأما قولهم: