٧١٢- تَجْمَعِيَن خِلاَبَةً وَصُدُوداً.
يضرب لمن يجمع بين خَصْلَتَيْ شَرٍّ.
قالوا: هو من قول جرير بن عطية، وذلك أن الحجاج بن يوسف أراد قتله، فمشت إليه مُضَرُ فقالوا: أصلح الله الأمير! لسانُ مضر وشاعرُها، هَبْه لنا، فوهَبه لهم، وكانت هند بنت أسماء بن خارجة ممن طلب فيه، فقالت للحجاج: ائذن لي فأسْمَعَ من قوله، قال: نعم، فأمر بمَجْلِسٍ له وجلس فيه هو وهند، ثم بعث إلى جرير فدخل وهو لا يعلم بمكان الحجاج، فقالت: يا ابن الْخَطَفَى أنْشِدْنِي قولَك في التشبيب، قال: والله ما شَبَّبْتُ بامرأة قطُّ، وما خلَق الله شيئاً أبْغَضَ إليّ من النساء، ولكني أقول في المديح ما بلغكِ، فإن شئت أسمعتُكِ، قالت: يا عدوَّ نفِسه فأين قولك:
يَجْرِي السواكُ على أغَرَّ كأنَّهُ ... بَرَدٌ تحدَّرَ من مُتُونِ غَمامِ
طَرَقَتْكَ صائدةُ القلوبِ ولَيْسَ ذا ... وَقْتَ الزيارة فَارْجِعِي بسلام
لو كُنْتِ صَادِقَةَ الذِي حَدَّثْتِنَا ... لَوَصَلْتِ ذاك فكان غيرَ رِمَامِ
قال جرير: لا والله ما قلت هذا، ولكني أقول:
لقد جَرَّدَ الحجاجُ بالحقِّ سيفَه ... ألا فاسْتَقِيُموا لا يَمِيلَنَّ مَائِلُ
ولا يَسْتَوِي دَاعِي الضلالةِ والْهُدَى ... ولاَحُجَّة الخصمين حَقٌّ وبَاطِلُ
فقالت هند: دَعْ ذا عنك، فأين قولك
خليليّ لاَ تَسْتَشْعِرَا النومَ، إنني ... أعيذُكُما بالله أن تَجِدَا وَجْدِي
ظَمِئْتُ إلى بَرْدِ الشَّرَابِ وغَرَّني ... جَدَامُزْنَةٍ يُرْجَى جَدَاها وَمَا تُجْدِي
قال جرير: بل أنا الذي أقول:
ومَنْ يأمَن الحجَّاجَ، أما عِقَابُهُ ... فَمُرّ، وأما عَقْدُه فَوَثِيقُ
لَخِفْتُكَ حَتَّى أنْزَلَتْنِي مَخَافَتِي ... وَقَدْ كانَ مِنْ دُونِي عَمَايَة نِيق ⦗١٤٣⦘
يُسِرُّ لك البَغْضَاء كلُّ مُنَافِقٍ ... كما كلُّ ذِي دِينٍ عليك شَفِيقُ
قالت: دَعْ ذا عنك، ولكن هات قولك:
يا عاذليّ دَعَا المَلاَمة وَاقْصِرَا ... طَالَ الهَوَى وأطَلْتُمَا التَّفِنيدَا
إني وَجَدْتُكِ لَوْ أرَدْتِ زِيَارةً ... في الحبِّ مِنِّي ما وَجَدْتِ مَزِيدَا
أخَلَبْتِنَا وَصَدَدْتِ أمَّ محمدٍ ... أفَتَجْمَعِيَن خِلاَبةً وصُدُودَا
لا يستطيعُ أخو الصبابة أن يُرَى ... حَجَراً أصمَّ وأن يكون حَدِيدَا