فقد رَوَى بعضُ النَّاس "لاَ تحفلنَّ بجنبك الأشد" وتحَّملَ له معنى يبعد عن سَنَن الصواب، وقد تمثل به أبو مُسْلم صَاحبُ الدولة حين وردَ عليه رؤبة بن العجاج وأنشده شِعره، ثم قَالَ له أبو مسلم: إنك أتَيتَنا والأموال مَشُفوهَة والنوائبُ كَثيرة، ولكَ علينا مُعَوَّل، وإلينا عَوْدَة، وأنتَ لنا عاذر، وقد أمرنا لكَ بشيء وهو وَتِح (الوتح - بفتح الواو وسكون التاء أو فتحها أو كسرها - ومثله الوتيح: القليل التافه من الشيء) فلاَ تجعلنَّ بجنبك الأَسدة، هكذا أورَدهُ السلامي في تاريخه، فإن الدَهر أطرَقُ مستتبٌّ، ثُم دعا بِكِيسٍ فيه ألفُ دينار فدفَعَه إليه، قَالَ رؤبة: فوالله ما أدْرِي كيفَ أُجِيبه، قَالَ الجوهَري: السَّد - بالفتح - واحدُ الأَسدة، وهيَ العُيُوب مثلُ العَمَى والصَّمَ والبَكَم، جمع عَلى غَير قياس، وكان قياسه سُدوداً، ومنه قولهم "لاَ تجعلن بجنبك الأَسدة" أي لاَ يضيقَنَّ صدرُك فَتَسكت عن الجَواب كمن به صَمَ أو بكم، قَالَ الكُمَيْت:
يقول: ليس بي عي ولاَ بكم عَن جَواب الكاشح، ولكنى أصفح عنه؛ لأن العي عن الجواب كالعَضب، وهو قَطع يَد أو ذهاب عضو، والعَائدة: العَطف، هذا كلامهُ، وأما قول أبى مسلم "فإن الدهر أطْرَقَ مستتب" فالطرق: استرخاء وضُعف في الرُكبتين، والاستتباب: الاستقامة، يريد أن الدهر تارة يَعْوَجُّ وتارة يستقيم، وهذا كالاَعتذار منه إلى رؤبة.