وهو أحد بني غُفَيلة بن قاسط بن هِنْب بن أفْصَى بن دُعْمِىِّ بن جَدِيلة.
ومن حديثه أنه دلَّ كُثَيْفَ بن عمرو التَّغْلَبي [وأصحابَه] على بني الزَّبَّان الذُّهْلي لِتِرَةٍ (الترة - بوزن عدة وصفة - الثأر، وأصل تائها واو) كانت له عند عمرو بن الزَّبَّان، وكان سبب ذلك أن مالك بن كومة الشيباني لقي كُثَيِّفَ بن عمرو في بعض حروبهم، وكان مالك نحيفا قليل اللحم، وكان كُثَيف ضَخْما، فلما أراد مالك أسْرَ كُثَيف اقتحم ⦗٣٧٨⦘ كثيف عن فرسه لينزل إليه مالك، فأوْجَرَه مالك السِّنَانَ، وقال: لتسأسِرَنَّ أو لأقتلنك، فاحْتَقَّ فيه هو وعمرو بن الزَّبَّان، وكلاهما أدركه، فقالا: قد حكمنا كُثَيفا، يا كثيف مَنْ أسَرَك؟ فقال: لولا مالك بن كومة كنت في أهلي، فلطَمه عمرو بن الزَّبَّان، فغضب مالك، وقال: تَلْطم أسيري؟ إن فداءك يا كثيف مائة بعير، وقد جعلتُهَا لك بلَطْمة عمرو وَجْهَك، وجَزَّ ناصيته وأطلقه، فلم يزل كُثَيف يطلب عمرا باللَّطْمة حتى دلَّ عليه رجل من غُفَيلة يقال له خَوْتَعة، وقد بَدَّتْ لهم إبل، فخرج عمرو وإخوته في طَلَبها فأدركوها فذبَحُوا حُوَارا فاشْتَوَوْهُ وجلسوا يَتَغَدَّون، فأتاهم كُثَيف بضِعْف عددهم، وأمرهم إذا جلسوا معهم على الغدَاء أن يكتنف كلَّ رجلٍ منهم رجلان، فمروا بهم مجتازين، فدُعُوا فأجابهم، فجلسوا كما ائتمروا فلما حَسَر كُثَيف عن وجهه العمامةَ عرفه عمرو، فقال: ياكثيف إن في خَدِّي وَفَاء من خدك، وما في بكر بن وائل خد أكْرَمُ منه، فلا تشبَّ الحربَ بيننا وبينك، فقال: كلا بل أقتلك وأقتل إخْوَتَكَ، قال: فإن كنت فاعلا فأطلق هؤلاء الفتية الذين لم يتلبسوا بالحروب، فإن وراءهم طالباً أطْلَبَ مني، يعني أباهم، فقتلهم وجعل رؤوسهم في مِخْلاَة وعلَّقها في عنق ناقة لهم يقال لها الدُّهَيْم، فجاءت الناقة والزبَّان جالسٌ أمام بيته حتى بركت، فقال: يا جارية هذه ناقة عمرو، وقد أبطأ هو وإخوتُه، فقامت الجارية فجَسَّت المخلاة، فقالت: قد أصاب بَنُوكَ بَيْضَ نعام، فجاءت بها إليه، وأدخلت يدها فأخرجت رأس عمرو أولَ ما أخرجت، ثم رؤوسَ إخوته، فَغَسلها ووضَعها على تُرْسٍ وقال: آخِرُ البَزِّ على القَلُوص، وقال أبو الندى: معناه هذا آخر عهدي بهم، لا أراهم بعده، فأرسلها مثلا، وضرب الناس بحمل الدُّهَيْم المثلَ، فقالوا: أثْقَلُ من حمل الدهيم، فلما أصبح نادى: يا صَبَاحاه، فأتاه قومه، فقال: والله لأحَوِّلَنَّ بيتي ثم لا أردُّه إلى حاله الأول حتى أدرك ثاري، وأطفى ناري فمكث بذلك حيناً لا يدري مَنْ أصاب ولده ومَنْ دَلَّ عليهم، حتى خُبِّر بذلك، فحلف لا يحرِّمُ دم غُفَلِىٍّ حتى يدلُّوه كما دلُّوا عليه، فجعل يغزو بني غُفَيلة حتى أثْخَن فيهم، فبينما هو جالس عند ناره إذ سمع رُغَاء بعير، فإذا رجل قد نزل عنه حتى أتاه فقال: من أنت؟ فقال: رجل من بني غُفَيلة، فقال: أنت وقد آن لك، فأرسلها مثلا، فقال: هذه خمسة وأربعون بيتاً من بني تَغْلب بالإقطانتين، يعني موضعا بناحية الرقة، فسار إليهم الزَّبَّان ⦗٣٧٩⦘ ومعه مالك بن كومة، قال مالك: فَنَعِسْتُ على فرسي وكان ذريعا فتقدم بي، فما شَعَرْتُ إلا وقد كرع في مقراة القوم، فجذبته فمشى على عقبيه فسمعت جارية تقول: ياأبت هل تمشي الخيل على أعقابها؟ فقال لها أبوها: وما ذاك يا بنية؟ قالت: رأيت الساعة فرسا كَرَعَ في المقراة ثم رجع على عقبيه، فقال لها: ارْقُدِي فإني أبغض الجاريةَ الكَلُوء العينِ، فلما أصبحوا أتتهم الخيل دَوَاسَّ، أي يتبع بعضُها بعضا فقتلوهم جميعا.
قوله " دَوَاسَّ" كذا أورده حمزة في كتابه، والصواب" دوائس" يقال: داستهم الخيلُ بحَوَافرها، وأتتهم الخيل دَوَائِسَ، أي يتبع بعضُها بعضا، ووجدت في بعض النسخ يقال: دَسَّتِ الخيلُ تدسُّ دَسّاً إذا تبع بعضها بعضا، وأنشد: