١٨١٩- سِرْ عَنْكَ
قالوا: إن أول من قال ذلك خِدَاش بن حابس التَّميمي، وكان قد تزوج جارية من بني سَدوس يقال لها الرَّباب وغاب عنها بعد ما مَلَكها أعواما، فعلقها آخر من قومها يقال سلم، ففضحها، وإن سلما شَرَدَت له إبل فركب في طلبها، فوافاه خِداش في الطريق، فلما علم به خداش كتَمَه أمرَ نفسِه ليعلم علم امرأته، وسارا، فسأل سلم خداشا: ممن الرجل؟ فخبره بغير نسبه، فقال سلم:
أغِبْتَ عَنِ الرَّبَابِ وَهَامَ سَلْمٌ ... بِهَا وَلَها بِعِرْسِكَ يَاخِدَاشُ ⦗٣٤١⦘
فَيَالَكَ بَعْلَ جاريةٍ هَوَاهَا ... صَبُورٌ حين تَضْطَرِبُ الْكِبَاشُ
وَيَا لَكَ بَعْلَ جاريةٍ كَعُوبٍ (كذا، ولعله"لعوب"أو "كعاب") ... تَزيدُ لذاذةً دُونَ الرَّيَاشِ
وَكُنْتَ بها أخَا عَطَشٍ شَدِيدٍ ... وَقَدْ يَرْوَى عَلَى الظّمَأ العِطَاشُ
فإن أرْجِعْ وَيَأْتيهَا خِدَاش ... سَيُخْبِرُهُ بمَا لاقى الفِرَاشُ
فعرف خداش الأمر عند ذلك، ثم دنا منه فقال: يا أخا بني سَدوس، فقال سلم: علقتُ امرأةً غاب عنها زوجُها، فأنا أنْعَمُ أهلِ الدنيا بها، وهي لذة عيشي، فقال خداش: سر عنك، فسار ساعة، ثم قال: حدثنا يا أخا بني سَدوس عن خليلتك، قال: تَسَدَّيتُ خِباءها ليلا فبتُّ بأقر ليلة أعلُو وأعْلى وأعانِق وأفْعَلُ ما أهوى، فقال خداش: سر عنك، وعرف الفضيحةَ، فتأخرَّ واخترط سيفه وغَطّاه بثوبه، ثم لحقه وقال: ما آية ما بينكما إذا جئْتَها، قال: أذهَبُ ليلا إلى مكان كذا من خِبائها وهي تخرج فتقول:
يالَيْلُ هَلْ مِنْ ساهرٍ فيكَ طالبٍ ... هَوَى خلَّةٍ لا يَنْزَحَنْ مُلْتَقَاهُماَ
فأجاوبها:
نَعَمْ سَاهِرٌ قَدْ كَابَدَ الليلَ هائِم ... بِهاَئِمَةٍ ما هَوَّمَتْ مُقْلَتَاُهُماَ
فتعرف أني أنا هو، ثم قال خداش: سر عنك، ودنا حتى قَرَن ناقته بناقته، وضربه بسيفه فأطار قِحْفَهُ وبقي سائره بين سرخي الرَّحْل يضطرب، ثم انصرف فأتى المكانَ الذي وصَفه سلم، فقعد فيه ليلا، وخرجت الرَّباب وهي تتكلم بذلك البيت، فجاوبها بالآخر، فدنَتْ منه وهي ترى أنه سلم، فقنَّعها بالسيف ففلَق ما بين المفرق إلى الزور، ثم ركب وانطلق.
يضرب في التغابي والتغاضي عن الشيء. قلت: بقي معنى قوله"سر عنك" قيل: معناه دَعْني واذْهَبْ عني، وقيل: معناه لا تربع على نفسك، وإذا لم يربع على نفسه فقد سار عنها، وقيل: العربُ تزيد في الكلام "عن" فتقول: دع عنك الشك، أي دع الشك، وقيل: أرادوا بعنك لا أبالك وأنشد:
فصار واليوم له بَلاَبِلُ ... من حُبِّ جُمْلٍ عَنْكَ ما يُزَايِلُ
أي لا أبالك، فعلى هذا معناه: سر لا أبالك، على عادتهم في الدعاء على الإنسان من غير إرادة الوقوع.