٤٢٩١- أنْدَمُ مِنَ الكُسَعِيَّ
قَالَ حمزة: هو رجل من كُسَعَ، واسمه مُحَارب بن قيْس، وقَالَ غيره: هو من بني كُسَع ثم من بني محارب، واسمه غامد بن الحارث.
ومن حديثه أنه كان يَرْعَى إبلاً له بوادٍ مُعْشب، فبينما هو كذلك إذ أبْصَرَ نَبْعَة في صخرة، فأعجبْتُه، فَقَالَ: ينبغي أن تكون هذه قوساً فجعل يتعهدها ويرصدها حتى إذا أدْرَكتْ قطعها وجَفَّفها، فلما جفت اتخذ منها قوساً، وأنشأ يقول:
يارَبِّ وَفِّقْنِي لِنَحْتِ قَوْسِي ... فإنَّهَا مِنْ لَذَّتِي لِنْفْسِي
وَانْفَعْ بِقَوْسِي وَلَدِي وَعِرْسِي ... انْحَتُها صَفْرَاء مِثْلَ الوَرْسِ
صفْرَاء لَيْسَتْ كَقِسىِّ النِّكْسِ ...
ثم دهَنَها وخطمها بوَتَر، ثم عمد إلى ما كان من بُرَايتها فجعل منها خمسة أسْهُمْ، وجعل يقلبها في كفه ويقول:
هُنَّ وَرَبِّي أسْهُمٌ حِسَانُ ... تلذ للرَّامِي بِهَا البَنَانُ
كأنما قوامها مِيزانُ فأبشِرُوا بِالخِصْبِ يَا صِبيان
إن لم يَعُقْنِ الشؤمُ والحِرْمانُ ...
ثم خرج حتى أتى قُتَرَةً على مَوَارد حُمْر فكمن فيها، فرمى قطيع منها، فرمى عَيراً منها فأمخطه السهمُ: أي أنقذه فيه وجازه، وأصاب الجبل فأورَى ناراً، فظنَّ انه أخطأه فانشأ يقول:
أعُوذُ بالله العَزِيزِ الرَّحْمنْ ... مِنْ نَكْدِ الْجَدِّ مَعاً وَالْحِرْمَانْ
مَالي رَأيْتُ السَّهْمَ بَيْنَ الصوَّانْ ... يُورِى شَرَاراً مِثْلَ لَوْنِ الْعِقْيَانْ
فأخْلَفَ الْيَوْمَ رَجَاءَ الصِّبْيَانْ ...
ثم مكث على حاله فمر قطيع آخر، فرمى منها عَيْرا فأمْخَطَة السهم، وصَنَعَ صنيع الأول،
فأنشأ يقول: ⦗٣٤٩⦘
لاَبَارَكَ الرحمنُ في رَمي القَتر ... أعُوذُ بالخْالِقِ مِنْ سُوء الْقَدَرْ
أأمْخَطَ السَّهْمُ لإرْهَاقِ البَصَرْ ... أمْ ذَاكَ مِنْ سُوءِ احْتِياَلٍ وَنَظَرْ
ثم مكث على حاله، فمر قطيع آخر، فرمى منها عيراً فأمخطه السهم، فصنع صنيع الثاني، فأنشأ يقول:
مَابَالُ سَهْمِي يُوْقِدُ اُلْحُبَاحَبَا ... قَدْ كُنْتُ أرجُو أنْ يَكُونَ صَائِباً
وأمكن العير وَوَلَّى جَنِباً ... فَصَارَ رَأْيِي فِيهِ رَأْياً خَائِياً
ثم مكث مكانه، فمر به قطيع آخر، فرمى عيراً منها فصنع صنيع الثالث، فأنشأ يقول:
يَا أََسَفِي للِشُؤمِ والجدّ النَّكدْ ... أَخْلَفَ مَا أرْجُو لأهْلٍ وَوَلَدْ
ثم مر به قطيع أخر، فرمى عيراً منها فصنع صنيع الرابع، فأنشأ يقول:
أبَعْدَ خَمْسٍ قَدْ حَفِظْتُ عَدَّهَا ... أحْمِلُ قَوْسِي وَأرِيدُ ورْدَهَا
أخْزَى الإلهُ لينها وَشدَّهَا ... وَاللهِ لاَ تَسْلَمُ عِنْدِي بَعْدَهَا
وَلاَ أُرَجِّى مَا حَيِيتُ رِفْدَهَا
ثم عمد إلى قوسه فضرب بها حَجَراً فكسرها، ثم بات، فلما أصبح نظر فإذا اُلْحمُرُ مطروحة حوله مُصَرعة، أسهمه بالدم مُضَرَّجة، فندم على كَسْر القوس، فشدَّ على إبهامه فقطعها، وأنشأ يقول:
نَدِمْتُ نَدَامَةٌ لَوْ أنَّ نَفْسِي ... تُطَاوِعُني إذاً لَقَطَعْتُ خَمْسِي
تَبَيَّنَ لي سفَاهُ الرَّأي مِنِّي ... لَعَمْرُ أبِيك حِينَ كَسرتُ قَوْسِي
وقَالَ الفرزدق حين أبان النَّوَارَ زوجته وقصتُه مشهورة:
نَدِمْتُ نَدَامَةَ الكُسَعِيِّ لَمَّا ... غَدَتْ مِنِّي مُطَلَّقَةً نَوَارُ
وَكَانَتْ جَنَّتي فَخَرَجْتُ مِنْها ... كآدَمَ حِينَ لَجَّ بِهِ الضِّرَارُ
وَلَوْ ضَنَّتْ بِهاَ نَفْسِي وَكَفى ... لكَانَ عَلَيَّ لَلْقَدَرِ اخْتِيَارُ