قَالَوا: إن أول مَنْ قَالَ ذلك الفرزدق، وذلك أنه كان ذاتَ يوم جالسا في نادي قومه ينشدهم، إذ مر به جرير بن الخَطَفى على راحلة وهو لاَ يعرفه، فَقَالَ الفرزدق: من ذلك الرجل؟ فَقَالَوا: جرير ابن الخَطَفَى، فَقَالَ ⦗٤٠٢⦘ لفَتىً: ائتِ أبا حَزْرة فقل له: إن الفرزدق يقول:
ما في حِرِامَّكَ إسْكة معروفةٌ ... للناظرين، وماله شَفَتَانِ
قَالَ: فلحقه الفتى فأنشده بيت الفرزدق، فَقَالَ جرير: ارجع إليه فقل له:
لكِنْ حِرَامِّكَ ذو شِفَاةٍ جَمَّةٍ ... مخضرة كَغَبَاغِبِ الثيران
(الغباغب: جمع غبغب، وهو اللحم المتدلى تحت الحنك، وهو الغبب أيضاً)
قَالَ فرجع الفتى فأنشده بيت جرير، فضحك الفرزدق، ثم قَالَ: هذه بتلك والبادي أظلم، والجالبُ للباء في قوله "بتلك" معنى الاَستحقاق، أي هذه المقَالَة مستحقة أو مجلوبة بتلك المقَالَة، ويجوز أن تسمى باء البدل، كما يُقَال: هذا بذاك، أي بَدَله، وقوله "والباَدي أظلم" جعله أظلم لأنه سببُ الاَبتداء والجزاء، ويجوز أن يكون أفعل بمعنى فاعل كما قَالَ
(قائله الفرزدق، وصدره قوله: إن الذي سمك السماء بنى لنا")