قال محمد بن حبيب: كان من حديث هذين المثلين أن كلباً أوقَعَتْ ببني فزارة يوم. العاه قبل اجتماع الناس على عبد الملك بن مروان، فبلغ ذلك عبدَ العزيز بن مروان، فأظهر الشماتة، وكانت أمه كليبة، وهي ليلى بنت الأصبع بن زبان. وأم بشر بن مروان قطبة بنت بشر بن عامر بن مالك بن جعفر، فقال عبد العزيز لبشر أخيه: أما علمت ما فَعَلَ أخوالي بأخوالك؟ قال بشر: وما فعلوا؟ فأخبره الخبر، فقال: أخوالُكَ أضْيَقُ أسْتَاهاً من ذلك، فجاء وَفْدُ بني فَزَارة إلى عبد الملك يخبرونه بما صُنِعَ بهم، وأن حُرَيْث بن بَجْدل الكلبي أتاهم بعهدٍ من عبد الملك أنه مصدق، فسمعوا له وأطاعوا، فاغْتَرَّهم فقتل منهم نَيِّفَّا وخمسين رجلا، فأعطاهم عبدُ الملك نصف الحَمَالات، وضَمِنَ لهم النصف الباقي في العام المقبل، فخرجوا ودَسَّ إليهم بشر ابن مروان مالا فاشْتَرَوُا السلاح والكُرَاع، ثم اغْتَرُّوا كلبا ببني فزارة فَلَقُوهم ببنات قين، فتعدَّوْا عليهم في القتل، فخرج بشر حتى أتى عبدَ الملك وعندهُ عبدُ العزيز بن مروان فقال: أما بلغك ما فعل أخوالي بأخوالك؟ فأخبره الخبر، فغضب عبدُ الملك لإخفارهم ذمتَهُ وأخْذِهم مالَه، وكتب إلى الحجاج يأمره إذا فَرَغَ من أمر ابن الزُّبير أن يُوقِع ببني فَزَارة إن امتنعوا، ويأخُذَ مَنْ أصاب منهم، فلما فرغ الحجاجُ من أمر ابن الزبير نَزَلَ ببنب فزارة، فأتاهم حَلْحَلَةُ ابن قيس بن أشْيَمَ وسعيد بن أبان بن عُيَينة ابن حِصْن بن حُذَيفة بن بدر، وكانا رئيسي القوم، فأخبرا الحجاج أنهما صاحبا الأمر، ولا ذنْبَ لغيرهما، فأوثقهما وبَعَثَ بهما إلى عبد الملك، فلما أدْخِلاَ عليه قال: الحمدُ لله الذي أقاد منكما، قال حلحلة: أما والله ما أقادمني، ولقد نَقَضْتُ وِتْرَي، وشَفَيْتُ صَدْرِي، وبردت وَحْرِي، قال عبد الملك: مَنْ كان له عند هذين وِتر يطلبه فليقم إليهما، فقام سفيان بن سُوَيْد الكلبي - وكان أبوه فيمنقتل يوم بنات قين - فقال: يا حلحلة هل حست لي سُوَيدا، قال: عهدي به يوم بنات قن وقد انقطع خُرْؤه في بطنه، قال: أما والله لأقتلنك، قال: كذبت والله ما أنت تَقْتُلني وإنما يقتلني ابنُ الزرقاء، والزرْقَاء إحدى أمهات مَرْوَان بن الحكم، وكانت لها راية، وكانوا يُسَبُّون بالزرقاء، فقال بشر: صَبْراً حَلْحَلُ، فقال: إي والله.
ثم التفت إلى ابن سُوَيد فقال: يا ابن استها أجدِ الضربَةَ فقد وقعت مني بأبيك ضربةٌ أَسْلَحَتْهُ، فضرب عنقَه، ثم قيل لسعيد نحو ما قيل لحلحلة، فردَّ مثلَ جواب حلحلة، فقام إليه رجل من بني عليم ليقتله فقال له بشر: اصْبِرْ، فقال:
ويروى "من ذي ضاغط عَرَكْرَكِ " وهو البعير الغليظ القويُّ، والضاغط: الْوَرَمُ في إبط البعير، شِبْهُ الكيس، يضغطه، أي يضيقه، ويقال "فلان جيد البَوَانِي" إذا كان جيدَ القوائم والأكتاف.