هذا من قول الحمراء بنت ضَمْرة بن جابر وذلك أن بني تميم قتلوا سعد بن هند أخا عمرو بن عبد الملك، فنَذَر عمرو ليقتلَنَّ بأخيه مائةً من بني تميم، فجمع أهلَ مملكته فسار إليهم، فبلغهم الخبر، فتفرقوا في نواحي بلادهم، فأتى دارهم فلم يجد إلا عجوزاً كبيرة وهي الحمراء بنت ضمرة، فلما نظر إليها وإلى حُمْرَتها قال لها: إني لأحْسَبُك أعجمية، فقالت لا، والذي أسأله أن يخفض جَنَاحَك ويهدَّ عِمادك، ويَضَع وِسادك، ويَسْلبك بلادك، ما أنا بأعجمية، قال: فمن أنت؟ قال: أنا بنت ضمرة بن جابر، ساد معدّاً كابرا عن كابر، وأنا أخت ضمرة بن ضمرة، قال: فمن زوجك؟ قالت: هَوْذَة بن جَرْوَل، قال: وأين هو الآن؟ أما تعرفين مكانه؟ قالت: هذه كلمة أحمق، لو كنت أعلم مكانه حال بينك وبيني، قال: وأي رجل هو؟ قالت: هذه أحمق من الأولى، أعَنْ هَوْذة يُسأل؟ هو والله طيب العِرْق، سمين العَرْقِ لا ينام ليلة يَخَاف، ولا يشبع ليلة يُضَاف، يأكل ما وجَدَ، ولا يَسأل عما فَقَد، فقال ⦗٣٩٥⦘ مرو: أما والله لولا أني أخاف أن تَلِدِي مثلَ أبيك وأخيك وزوجك لاستبقيتك، فقالت: وأنت والله لا تقتل إلا نساءً أعليها ثُدِيّ وأسافلها دُمِيّ، والله ما أدركت ثأراً، ولا مَحَوْت عاراً، وما مَنْ فعلتَ هذه به بغافلٍ عنك، ومع اليوم غد، فأمر بإحراقها فلما نظرت إلى النار قالت: ألا فتى مكانَ عَجُوزٍ؟ فذهبت مثلاً، ثم مكثت ساعة فلم يَفْدِهَا أحدٌ فقالت: هيهات! صارت الفتيان حُمَماً، ولبث عمرو عامةَ يومِه لا يقدر على أحد حتى إذا كان في آخر النهار أقبل راكبٌ يسمى عمارا تُوضِع به راحِلتُه حتى أناخ إليه، فقال له عمرو: مَنْ أنت قال أنا رجل من الْبَرَاجم؟ قال: فما جاء بك إلينا؟ قال: سطع الدخان، وكنت قد طَوِيتَ (طوى - بوزن رضى - جاع)
منذ أيام فظننته طعاماً، فقال عمرو: إن الشقيّ وافدُ البراجم، فذهبت مثلا، وأمر به فألقى في النار، فقال بعضهم: ما بلغنا أنه أصاب من بني تميم غيره، وإنما أحرق النساء والصبيان، وفي ذلك يقول جرير:
وأخزاكُمُ عمرٌو كما قد خَزِيتُمُ ... وأدرك عَمَّارا شقيَّ الْبَرَاجِمِ
ولذلك عيرت بنو تميم بحب الطعام لما لقي هذا الرجل، قال الشاعر:
إذا ما مَاتَ مَيْتٌ من تميم ... فَسَرَّكَ أن يعيش فجيء بزاد
بخبزٍ أو بلحمٍ أو بتمرٍ ... أو الشيء الملَفَّفِ في البِجَادِ